فضائل عشرِ ذي الحجة – خطبة للشيخ بن عامر بوعمرة – الجزء الأول-

فضائل عشرِ ذي الحجة – خطبة للشيخ بن عامر بوعمرة – الجزء الأول-

عباد الله، لا يكاد يمضي موسم من مواسم الطاعات حتى يعقبه موسم آخرُ لتتجدد بذلك علاقة المسلمين بربهم وتقوى صلتهم به، ويرفعوا رصيدهم في ميزان العمل الصالح، ويٓجبروا النقصَ والخَلَلَ في عباداتهم، وتفتح لهم آفاق رحْبة في ميدان التنافُس، قال تعالى: ” وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ” المطففين: 26، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اطلبوا الخيرَ دهرَكم كلَّه، وتعرَّضُوا لنفحاتِ رحمة الله تعالى فإن لله عز وجل نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده”. فبعد أن عشنا أيها المؤمنون، أجواءَ رمضانَ المبارك، وتعرضنا لنفحاته، جاءت أيام الفطر الفضيلة، ففرح المسلمون بالفطر وبتمام شهر الصيام، ثم جاء شهر شوال الذي رغب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في صيام الست منه،تماما لأجر صيام العام، فصامها كثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ثم حلت علينا الأشهر الحرم،وهي ذو القعدِة وذو الحجة الذي نحن في رحابه، هذه الأشهر التي عظمها ربنا ونهانا عن أن نظلم أنفسنا فيها،حيث قال تعالى: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ” التوبة: 36، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصيام فيها إذ قال لأبي مجيبة الباهلي رضي الله عنه: ” صم من الحرم واترك “، وهي أشهر الحج التي يُحرم فيها الحجاج بالنسك؛ ويؤدون عبادة من أعظم العبادات في الإسلام. إن مواسم الخير لا تنقطع في هذه الأمة المباركة، فبعد الذي ذكرنا من مواسم الطاعات والبركات، ها هي أيام العشر التي أقسم بها ربنا في كتابه قد أقبلت، وهذا القسم يكفيها شرفًا وفضلاً، إذ العظيم لا يُقسِم إلا بعظيم، قال تعالى: ” وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ” الفجر: 1-2، أقبلت هذه الأيام بخيرها وبركاتها ونفحاتها، فيها يَومُ التَّروِيَةِ، مُبتَدَأُ أَعمَالِ الحَجِّ، فِيهِ يُهِلّ الحُجَّاجُ وَيُلَبُّونَ، وَمِنهُ إِلَى مِنَى وَعَرَفَات يَنطَلِقُونَ. وفيها يومُ عرفة، يوم العتق من النار، قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها: ” ما من يوم أكثرُ من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة “، وهو يوم مغفرة الذنوب، وصيامه يكفر ذنوب سنتين، فقد روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يومِ عرفةٓ فقال: ” يكفّر السنة الماضية والباقية”.

– الجزء الأول-