مواسم الخيرات لا تنقطع بفضل الله عز وجل، وها هي تقبل علينا، شهر رجب شهر حرام، وشهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال، ثم رمضان وما أدراك ما رمضان؟ فهل نحن مستعدون لتلك النفحات، متأملون لفضل تلك المواسم؟ قال تعالى ” إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ” التوبة: 36. فالواجبَ على المسلمِ: أن يعرفَ قدرَ هذا الشهرِ الحرامِ؛ ذلك لأن معرفتَه وتعظيمَه “هو الدِّين القيِّم”؛ أي: المستقيم الذي لا اعوجاجَ فيه، ولا ضلالَ، ولا انحرافَ. كما يجب عليه أن يحذرَ من المعصية فيه؛ فإنّها ليست كالمعصيةِ في غيرِه؛ بل المعصيةُ فيها أعظمُ، والعاصِي فيه آثمُ؛ كما قال سبحانه “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ” البقرة: 217؛ أي: ذنبٌ عظيمٌ، وجرمٌ خطيرٌ؛ فهو كالظلمِ والمعصيةِ في البلدِ الحرامِ الذي قال الله عز وجل فيه ” وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ” الحج: 25. وإذا كان تعظيمُ الشهرِ الحرامِ أمرًا متوارَثًا لدى أهلِ الجاهليَّةِ قبلَ الإسلام يكفُّون فيه عن سفكِ الدَّمِ الحرامِ، وعن الأخذِ بالثَّأرِ والانتقامِ، أليس من ينتسبُ إلى الإسلامِ أجدرَ وأحرى بهذا الالتزامِ؟!. فعلى المسلم الابتعاد عن الشركيات والعقوق وأكل أموال الناس بالباطل، والخوض في أعراض المسلمين وتتبُّع عوراتهم، وإفشاء أسرارهم. وكما أنَّ المعاصيَ تعظُمُ في الشهرِ الحرامِ، فكذلك الحسناتُ والطَّاعاتُ تعظُمُ وتُضاعفُ في هذه الأيَّام؛ فالتَّقرُّبُ إلى اللهِ عزّ وجلّ بالطاعةِ في الشهرِ الحرامِ أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التعبُّدِ في سائرِ الأيَّامِ؛ كما سبق في قول ابن عبَّاس رضي الله عنهما: “وجعل الذنب فيهنَّ أعظم، والعمل الصَّالح والأجر أعظم”. فيستحبُّ للمسلمِ في هذا الشهر الإكثارُ والمواظبةُ على ما ثبتت به السنَّةُ في سائرِ الأيَّامِ من نوافلِ الطَّاعاتِ؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقاتٍ، وغيرِها من القرباتِ، مع المحافظةِ على الفرائضِ والواجباتِ.
من موقع إسلام ويب