للمسجد الأقصى من مكانة عظيمة. إذْ هو الأرض التي بارك الله تعالى فيها وفيما جاورها، وجعله أول مسجد بُني له في الأرض بعد المسجد الحرام، وأسرى بعبده إليه وأكرمه بإمامة الأنبياء فيه، وكانت القبلة إليه في الشرائع السابقة وفي أول الإسلام، وشرع سبحانه شدَّ الرِّحال إليه للعبادة، وضاعف أجر الصلاة فيه على الصلاة في غيره، إلا الحرمين المكي والمدني، كما جعل الصلاة فيه سببًا لتكفير الذنوب، وقدر أن يؤوب إليه أهل الإيمان في آخر الزمان، وأن تكون الملاحم على أرضه، ويعود إليه الخلق ومنه يحشرون، قال سبحانه عن إبراهيم ” وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ” الأنبياء: 71، وقال تعالى ” وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ” الأنبياء: 81، وقال سبحانه عن موسى عليه السلام ” يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ” المائدة: 21، وقال جل وعلا ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ” الإسراء: 1.
وقال صلى الله عليه وسلم ” لا تُشد الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا” متفق عليه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها؛ لكونها مساجد الأنبياء، ولأن الأول قبلة للناس وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم السابقة، والثالث أُسِّس على التقوى”. ذلكم شيء مما فُضِّل به المسجد الأقصى، وخُص به بيت المقدس، وما زال المسلمون على مرِّ عصورهم يعون ذلك جيدًا وتنطوي عليه صدورهم، ولكن اليهود والنصارى بمكرهم ودهائهم استطاعوا عَبْر الضخِّ الإعلامي المتكرِّر، والمراوغات السياسيَّة المتتابعة أن يحوِّلوا قضية احتلال بيت المقدس من قضية إسلاميَّة تتعلَّق بكلِّ مسلمٍ على وجه الأرض، إلى قضية قوميَّة تنحصر في العرب، ثم إلى قضية إقليميَّة تخص الشرق الأوسط، ثم ما زالوا حتى حصروها في أهل فلسطين، وحتى طوَّعوا الدول المجاورة لخدمة أهدافهم الاستعماريَّة، والتي ما فتئوا يظهرونها ويطبقونها يومًا بعد آخر، بتشديد الحصار والتفنُّن في تجويع أهل الأرض المباركة، وقتلهم صبرًا وغدرًا، وحشرهم بالجُدُر العازلة فوق الأرض والسِّيَاجات الفولاذيَّة تحت الأرض، ولكن كل هذا التضييق على المسلمين في الأرض المقدَّسة، وتخاذل أهل القرار وصمت من بأيديهم الحل والعقد لا يعفي الأمة من واجبها تجاه مقدساتها. بل إن الواجب عليها يزداد تأكُّدًا ويشتد تعيُّنًا على العلماء والدُّعاة والكُتَّاب والخاصة والعامة، فالعلماء والدُّعاة عليهم إبراز فضائل المسجد الأقصى.