فساد الأخلاق يدمر الحضارات

فساد الأخلاق يدمر الحضارات

إن التاريخ أكبر شاهد على أن تدهور الأخلاق كان له دور كبير في سقوط الحضارات، وأقرب مثال لنا هو ضياع الأندلس الذي قال فيه ﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ: “ﺇﺫﺍ ﺗﺄﺫﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻧﻘﺮﺍﺽ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﺃﻣﺔ، ﺣﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻟﻤﺬﻣﻮﻣﺎﺕ ﻭﺍﻧﺘﺤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺫﺍﺋﻞ، ﻭﺳﻠﻮﻙ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻷﻧﺪﻟﺲ ﻭﺃﺩﻯ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺿﻴﺎﻋﻪ”، ﻭﺻﺪﻕ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﻘﺎﺋﻞ ” وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا” الإسراء: 16. هذه هي قيمة الأخلاق، فالمسلمون تخلَّفوا عندما نسوا خُلُق الإسلام، واختزلوا دينهم في الشعائر فقط، وفرَّطوا في جانب مهمٍّ من رسالة الإسلام، ألا وهي الأخلاق التي هي جزء مهمٌّ من العبادة التعامليَّة التي كانت سببًا في فتح أقطار مهمَّة من العالم، فقط عن طريق التجار الذين تميَّزوا بالأخلاق الحميدة في معاملاتهم، وما سقطنا إلا عندما سقطنا في مستنقع المنكر، وهذا ما استنتجه ” ﻛﻮﻧﺪﻱ وهو أحد ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ؛ حيث قال “ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻫﻮﻭﺍ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺴﻮﺍ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺎﺅﻭﺍ ﺑﻬﺎ، ﻭﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﻣﺘﻘﻠﺐ ﻳﻤﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﺮﺡ ﻭﺍﻻﺳﺘﺮﺳﺎﻝ ﺑﺎﻟﺸﻬﻮﺍﺕ”. ﺇﻥ ﺍﻷﺧﻼﻕ الفاضلة هي أهم ما تتفوَّق ﺑﻪ ﺍﻷﻣﻢ وتعلو به ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ ﺗﻌﻜﺲ ﺣﻀﺎﺭة الأمة، ﻭﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ تسمو ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻷﻣﺔ ﺗﻌﻠﻮ ﺣﻀﺎﺭﺗﻬﺎ، ﻭﺗجذب ﺍﻷﻧﻈﺎﺭ إليها، ﻭﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﺗندحر ﺃﺧﻼﻗﻬﺎ ﻭﺗﻀﻴﻊ قيم الفضيلة فيها، تهوي ﺣﻀﺎﺭﺗﻬﺎ ﻭﺗﺬﻫﺐ ﻫﻴﺒﺘﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﻢ، ﻭﻛﻢ ﺳﺎﺩﺕ ﺃممٌ رغم شركها أو كفرها بالله، ﻭﻋﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﺑﺘﻤﺴﻜﻬﺎ ﺑﻤﺤﺎﺳﻦ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻛﺎﻟﻌﺪﻝ ﻭﺣﻔﻆ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﻭﻛﻢ ﺫﻟﺖ ﺃﻣﺔ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻭﺿﺎﻋﺖ ﻭﻗﻬﺮﺕ ﺑﺘﻀﻴﻴﻌﻬﺎ ﻟﺘﻠﻜﻢ ﺍﻷﺧﻼﻕ؛ حيث انتشر فيها ﺍﻟﻜﺬﺏ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻐﺶ. مشكلة الأخلاق تبدأ من الأفراد فالأسرة فالمجتمع، وهي لَبِنة أساسية في بناء الإنسان قبل بناء الحضارة هذا الإنسان منذ ولادته يتشرَّب الأخلاق مِن محيطه الذي يجب تصفيته وتطهيره، وحمايته من التلُّوث الخلقي الذي يفتك بهذه اللبنة من إعلامٍ يحرص على نشر ثقافة الانحلال، وتغييب الفضيلة ونشر ثقافة مادية أساسها الغاية تبرِّر الوسيلة، وبرامج تعليمية فارغة لا تليق بمن يريد أن يبني حضارة تقود العالم.

 

موقع إسلام أون لاين