في الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية في الفاتح نوفمبر 1954، أصدر قصر الإليزيه، بيانا أكد فيه استمرار فرنسا في مسار الاعتراف التاريخي بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي خلال فترة احتلال الجزائر.
يأتي هذا الاعتراف ضمن جهود رسمية لبناء ذاكرة مشتركة ومصالحة تاريخية بين الشعبين الجزائري والفرنسي، وهي مساع يقودها الرئيس الفرنسي منذ عام 2017 بالتنسيق مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وفي خطوة اعتبرت جريئة ومتقدمة نحو كشف الحقائق التاريخية، أعلن الرئيس الفرنسي عن اعترافه الرسمي باغتيال البطل الجزائري العربي بن مهيدي، أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني وقادة الثورة الجزائرية. وجاء في البيان، أن “العربي بن مهيدي قُتل على يد عسكريين فرنسيين تحت قيادة الجنرال بول أوساريس”، وهو ما يؤكد مجددًا تورط القيادات الفرنسية في تلك الحقبة في تصفية قادة المقاومة الجزائرية. العربي بن مهيدي، الذي ولد في عام 1923 في ولاية قسنطينة، كان رمزا للثورة الجزائرية ضد الاستعمار. بدأ مسيرته النضالية مبكرا بعد انضمامه إلى الكشافة الإسلامية، وترسخت قناعته بضرورة الاستقلال بعد مجازر 8 ماي 1945 في قسنطينة، التي أودت بحياة العديد من الجزائريين العزل. وبعد اندلاع الثورة في 1954، أصبح بن مهيدي أحد القادة الميدانيين للثورة، وشغل عدة مناصب قيادية في جبهة التحرير الوطني، وكان له دور بارز في “معركة الجزائر” عام 1957. رغم اعتقاله في فيفري 1957، لم يفقد بن مهيدي كبرياءه، إذ أظهرت الصور التي التُقطت له بعد اعتقاله أنه كان يبتسم رغم القيود، مما أثار إعجاب حتى أعدائه من الجنود الفرنسيين. وبحسب البيان، أُعدم بن مهيدي لاحقا بأوامر من الجنرال أوساريس، وهو اغتيال ظل موضع شك حتى اعترف الجنرال شخصيا بجريمة القتل بعد سنوات طويلة. ويؤكد البيان الصادر من الإليزيه، أن “هذا الاعتراف يندرج ضمن مسار مستمر للتصالح مع التاريخ”. ومن المقرر، أن تواصل لجنة مشتركة من المؤرخين من البلدين دراسة الحقائق التاريخية لتقديمها للأجيال القادمة. وقد شدد البيان على أهمية هذه المبادرة التي ترمي إلى تعزيز العلاقات بين الجزائر وفرنسا وتكريس مصالحة مستدامة قائمة على الحقائق التاريخية واحترام ذاكرة الضحايا. وكان الرئيس الفرنسي، قد اتخذ خطوات مماثلة سابقا حينما اعترف بمسؤولية فرنسا في اغتيال شخصيات نضالية بارزة، مثل موريس أودان وعلي بومنجل، وهي الاعترافات التي شكلت حجر أساس لمسار جديد من المكاشفة والاعتراف بالجرائم التاريخية. هذا المسار الذي اتفق عليه الرئيسان الجزائري والفرنسي، يأتي في إطار رؤية مشتركة تهدف إلى طي صفحة الماضي المظلم وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، ترتكز على الذاكرة المشتركة وتستشرف مستقبلا يتسم بالسلام والاحترام المتبادل.
محمد بوسلامة