تأثيراته ممتدة على جميع المجالات

فرط حركة الأطفال.. اضطراب سلوكي يتجاهله الأولياء

فرط حركة الأطفال.. اضطراب سلوكي يتجاهله الأولياء

يُعد اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أحد أكثر اضطرابات النمو العصبي شيوعًا، ويُسبب مشكلاتٍ في التركيز والانتباه، وفرط النشاط، والتصرف بتهور دون التفكير بالعواقب “الاندفاعية”.

وعادةً تظهر أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لدى الأطفال في عمر 12 سنة؛ إذ تكون ثقتهم بنفسهم قليلة، ويُواجهون صعوبة في تكوين علاقات مع الآخرين، هذا إلى جانب ضعف تحصيلهم الدراسي.

 

نماذج للاضطراب عند الأطفال

السيدة “سامية” أم لثلاثة أطفال أصغرهم “أحمد” يبلغ من العمر سبعة أعوام، تقول إنه كثير الحركة، ولا يستقر في مكان أكثر من 3 دقائق، ويكسر ألعابه باستمرار، وعندما التحق بالمدرسة أصبح زملاؤه يشتكون منه، فهو عدواني معهم، ودائم الحركة في الفصل، وتضيف قائلة: “لم أكن أنا وأبوه نرى أن هناك مشكلة لدى أحمد، فالأطفال الصغار أشقياء في هذه السن، ولكن عندما فوجئت به “بليداً” في الدراسة، ويحصل على درجات متدنية في الامتحانات، كان علينا البحث في أمره، ولم يتوصل الأطباء إلى تشخيص حالته، إلى أن قالت لي إحدى صديقاتي إن ابنها كان يشكو من هذه الحالة، ولما عرضته على طبيب أمراض نفسية وعصبية، شخّص حالته، ونصحها ببعض الأدوية والتمارين، وتحسنت حالته حاليًا، وذهبت أنا أيضا بأحمد إلى الطبيب نفسه وسيبدأ العلاج عما قريب”.

أما السيد “جمال” أب لطفل واحد يدعى “عماد” وعمره حاليًا ثلاثة أعوام، ويعاني من الأعراض ذاتها، وهو لا يهدأ ولا يجلس في مكان واحد لدقيقة، ويتحرك ويقفز من على الطاولات والكراسي، وهو مندفع جدًا، ويعتبر السيد “جمال” ابنه طفلاً مثالياً، وسوف يكون هادئ الطباع عندما يكبر ويلتحق بالمدرسة، ويرفض القول بأن ابنه لديه اضطراب ما أو مرض، ولا يرى أن هناك حاجة من عرضه على الطبيب.

وعلى العكس منه جاء موقف السيدة “حنان” التي تقول: “لدي أربعة أبناء، وكان ابني الأوسط محمود يعاني من فرط الحركة طيلة النهار، ولا يثبت في وضعية واحدة، وهو متهور، فدائماً ما يكسر كل ما يقع في يديه ويصعد إلى طاولة الطعام ويقفز من عليها، وذات مرة صعد على السيارة وقفز من فوقها فكسرت ساقه، ومع ذلك لم يخشَ من الصعود عليها والقفز من جديد، ولما التحق بالمدرسة الابتدائية لاحظ معلموه أنه شارد الذهن دائمًا، ويتعامل بعدوانية مع زملائه، ولا يستطيع تحصيل دروسه، وكانت لديَ خلفية بهذا السلوك المضطرب من خلال قراءتي، فعرضته على أحد الأطباء النفسيين، وشخص حالته، ووصف العلاج له، ودرّبني على التمارين اللازمة لاستعادة حالة الهدوء والتركيز، وهو الآن في الصف السادس الابتدائي ومتفوق جدًا، والحمد لله”.

 

الذكور أكثر إصابة بالمرض من الإناث

وحول طبيعة هذا الاضطراب، يقول الدكتور يوسف سعد الدين أستاذ الطب النفسي: “ما نتحدث عنه حاليا ليس مرضًا بالمعنى المعروف، ولكنه اضطراب أو عرض معروف باسم “ADHD” ويعني اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه، وينتشر بنسبة 3% لدى الأطفال الذكور من عمر سنة إلى ما قبل البلوغ، ويصيب واحداً من كل 3 أطفال في المرحلة الابتدائية، ونادر الحدوث لدى الإناث، فنسبة إصابتهن تعادل بنتاً مقابل 6 ذكور، وأعراضه تبدأ مبكرة جدًا في السنة الأولى من عمر الطفل، وتتمثل في كثرة الحركة وعدم القدرة على الاستقرار في مكان ما لفترة، والاندفاع فهو يقدم على الألعاب الخطرة والقفز من الأماكن المرتفعة، ولا يتعلم من تجاربه السابقة، إضافة إلى ضعف وتشتت الانتباه، حيث يجد صعوبة في الإنصات إلى المعلمين في المدرسة، ويلاقي صعوبات أكبر في استذكار دروسه في المنزل ومن ثم يفشل في الامتحانات.

18 عارضًا

ويضيف الدكتور أن هناك 18 عارضًا لهذا الاضطراب، في حالة توافرها في الطفل يكون مصابًا به، وهي كالتالي: حركة مستمرة وعدم الهدوء أو الاستقرار، وعدم الجلوس لتناول الطعام، اللعب فترة قصيرة بلعبة ما والانتقال إلى أخرى، عدم الاستجابة لمطالب الأبوين البسيطة، مقاطعة الآخرين في الكلام، التسبب في إزعاج الأسرة والضيوف، عدواني مع أقرانه، يصفه المدرسون بأنه مشاكس وعنيد، يتورط في أعمال وألعاب خطرة، يخرج من مقعده في الفصل ويتجول بين مقاعد زملائه أثناء الشرح، من السهل جذب انتباهه إلى أشياء أخرى بعيدًا عن الأساسيات، غير مرتب، ويحب الفوضى، مشوش، ويفكر بصوت مرتفع، سمته الأساسية النسيان، عدم القدرة على متابعة معلومات سماعية أو بصرية حتى النهاية، التعامل مع الأغراب بغير احتراس، والإنصات جيدًا إلى فيلم سينمائي أو كارتون.

 

التشخيص والعلاج

وتشير الدكتورة فايزة حمادي استشارية في طب الأطفال إلى أن هناك أسباباً عدة لهذا الاضطراب السلوكي لدى الأطفال أكثرها شيوعًا هي النقص في مادة “الدوبامين” التي تعمل كناقل عصبي مما يؤدي إلى اضطراب وفوضى وكثرة الحركة ونقص انتباه الطفل، وهناك نسبة من الإصابة بهذا المرض وراثية، وتصل إلى 95 % من الحالات. أما الأسباب الأخرى فمنها قلة النوم لفترات طويلة، إصابة الطفل بتضخم والتهاب مزمن في اللوزتين، ولكن عند تشخيص الحالة لا بد من استبعاد احتمالية إصابة الطفل بعدد من الأمراض ذات الأعراض نفسها، وغالبًا ما يتم إجراء أشعة مقطعية على المخ؛ لمعرفة هل الطفل مصاب بأي من أنواع الصرع أو الأورام سواء خبيثة أو حميدة أو الأمراض النفسية أم لا؟

 

جدول كونيرز

وتتابع الدكتورة: “من المهم لكي نثبت إصابة الطفل بهذا الاضطراب يجب توافر مجموعة من الأمور بالإضافة إلى الأعراض السابقة وهي: أن تكون هذه الأعراض ملازمة للطفل منذ سن الثالثة، وأن تكون مستمرة مع الطفل قبل الذهاب إلى الطبيب لأكثر من ستة أشهر على الأقل، وأن تكون مصحوبة بعدم القدرة على التحصيل الدراسي. وفي هذه الحالة يمنح الطبيب الأم اختباراً يسمى “جدول كونيرز” يعتمد على ملاحظة الأم لسلوكيات طفلها لمدة أسبوعين، وتدوّن كل الأعراض في صورة أرقام، وإذا مجموعها 15 نقطة، فهذا يعني أنه مصاب بالاضطراب.

أما عن العلاج فينقسم الى نوعين، الأول نفسي أو سلوكي، والثاني كيميائي، موضحة أن النوع الأول يعتمد على لفت نظر الطفل إلى أشياء يحبها، وإغرائه بها على القيام بنشاطات تحتاج إلى الصبر والتركيز والمثابرة، على أن يتم ذلك بالتدريج، وتضرب مثالاً بتدريبه على ألعاب الفك والتركيب، وفي حالة الصبر لمدة 10 دقائق يمنح جائزة، ولتكن الشكولاتة التي يحبها، مع ضرورة عدم التعامل معه بعنف أو إجباره على القيام بهذه النشاطات بطريقة عنيفة، ويمكن الاستعانة بمدرس لذوي الاحتياجات الخاصة لمساعدة الأم في القيام بهذا التدريب. أما في حالة العلاج الكيميائي، فينصح بضرورة استشارة الطبيب وعدم اللجوء إلى القراءات في الكتب أو المواقع الطبية، لأن كل حالة تختلف عن الأخرى.

ق. م