لله سنن ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، ومن سنن الله الثابتة أن الظلم لا يدوم، مهما بلغت قوة الظلوم، فإنَّه بقوة الله مهزوم، مهما بلغ الطغاة وتمادوا، انظروا إلى أهلنا في غزة؛ لقد عاشوا أيام صعبًة، بكل المعايير والمقاييس الإنسانيَّة، أيام النزوح والجروح والقروح، أيام الجوع والعطش والعري، أيام الدمار والخراب والعدم، أيام سقطت أوراق الحياء والوفاء والنخوة، أيام أزال الأقنعة وكشف الحقائق، أيام انهارت فيه القوانين والموازين والمكاييل الدوليَّة، شعب بلا طعام، شعب بلا شراب، شعب بلا دواء، لا بيت ولا ملجأ ولا عنوان، دمرت فيه الحياة، دمرت فيه الطفولة، فلا أمن ولا أمان، تشاهدون وترون أن الدماء قد سُفكت، والنساء رُملت، أطفال يُتموا، عائلات شُردت وتفرقت، وكم من طريق قُطع وحُفِرَ وأُغلِقَ، وكم من بيت دُمِّرَ، ولم يَعُدْ صالحًا للاستخدام، وكم من مريض لا علاجَ له لا في الداخل ولا في الخارج، لا يؤذن له أن يذهب للخارج، وبالرغم من هذا صابرون مرابطون محتسبون، والكل يسأل عن سر هذا التمسك بالأرض، العالَمُ يسأل: ما سرُّ التمسكِ؟ ومن يسأل عن السر؛ فالسر هو الرباط، الرباط عبادةٌ جليلةٌ، قربة عظيمة، شريعة ربانية، الرباط سنة نبوية، وخصلة حميدة، الرباط أيها المرابطون مدرسة إيمانيَّة، وصدق مع رب البرية. علينا أن نجدد في كل يوم نية الرباط في بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ، وفي المسجد الأقصى على التحديد، فهو أمانة في أعناقنا، ووصية رسولنا لنا صلى الله عليه وسلم. إنما المسجد الأقصى عقيدة، إنما القدس عقيدة، إنما فلسطين عقيدة، مرَّ عليها المارُّون، وتعرضت للكثير من المحن والحروب والشدائد، وبقي الأقصى هو الأقصى، وبقيت القدس هي القدس، شامخة أبية، محافظة على مكانتها الدينيَّة، قويَّة صامدة بأبنائها المدافعين المرابطين فيها، وستبقى بإذن الله عصية على من أراد بها الهوان؛ لأنَّها الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله تعالى، وسيظل الأذان يردد في مآذنها، مُؤْذِنًا بقرب فجر جديد، ويوم جديد، وما ذلك على الله بعزيز. اللهُمَّ الطف بأهلنا في أرض غزة يا ربَّ العالمينَ.