ثبتت الأحداث بما لا يدع مجالاً للشك قساوة قلوب العالم الغربي، وتبلد أحاسيسهم، وجفاف عواطفهم، وجمود مشاعرهم، إلا من رحم الله منهم، وقليل ما هم! فانطبق عليهم وصف الحق حل جلاله “ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” البقرة:74. قلوبهم قاسية، أشد قسوة من الحجارة؛ وعذراً للحجارة، فالحجارة نصرت أبناء فلسطين، ونساء فلسطين، وشباب فلسطين، وأطفال فلسطين، بل لم تتحرك مشاعرهم لصور المآسي على أرض فلسطين، لم تحرك عواطفهم الدماء التي سفكت، ولا الأعراض التي انتهكت، ولا المدن والمخيمات التي حوصرت ثم دمرت وهم ينظرون. لم تحرك عواطفهم تلك الأشلاء المتناثرة، ولا تلك الجثث الممزقة، والمتفحمة، التي لم تجد من ينتشلها من بين الأنقاض، ويكرمها بالدفن؛ لم توقظ حميتهم غطرسة اليهود، وغرور الصهاينة، هذه طاقتنا، وهذا جهدنا، استنفدناه لنصرة إخواننا في فلسطين، ولم يبق أمامنا من الوسائل والإمكانات، إلا طريق واحد، هو “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” الحج:39-40. في هذه الآية الكريمة ما يدل على أنه سبحانه وتعالى قد حكم لعباده المؤمنين بأحقيِّة دفاعهم على أنفسهم وديارهم، وبالتالي سلامة موقفهم من الناحية الأدبية؛ إذ هم مظلومون، غير ظالمين، ومعتدى عليهم، غير معتدين “أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا” فإنَّ لهم ما يسوغ خوضهم للمعركة. ليس هذا فحسب، وإنما أخبرهم سبحانه أن لهم أن يطمئنوا إلى حماية الله لهم، ونصرته إياهم “وإن الله على نصرهم لقدير” الحج:39. وفي هذا الإذن والإخبار ضمان لحرية العقيدة، وحرية العبادة، وحرية العيش بكرامة.
من موقع إسلام ويب