قال تعالى “أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ” الْعَنْكَبُوتِ: 2، هذه الآية نزلت مُسلِّيةً ومُعلْمِةً أن هذه هي سيرةُ اللهِ في عباده؛ اختبارًا للمؤمنين وفتنةً، من النوازل التي أخبَر اللهُ سبحانه أنَّها تنزل بالمؤمنين نازلة الخوف، ونازلة الجوع، ونازلة النقص في الأموال، ونازلة النقص في الأنفس، ونازلة النقص في الثمرات، وهذه النوازل الخمسة ذكرَها اللهُ في قوله “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ” الْبَقَرَةِ: 155. هذه النوازل لها حِكَمٌ عديدةٌ؛ منها: معرفة الذي يصبر مِنَ الذي يجزع، ومعرفة الذي يصدق في إيمانه من الكاذب فيه، فمن جزع عند النازلة تحصل له مصيبتان؛ الأولى: النازلة التي حلت به، والثانية: فوات أجره على هذه النازلة، وأمَّا من يصبر على هذه النوازل فقد بشره الله فقال “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” الْبَقَرَةِ: 155، والتبشير من الله على هذه النوازل يكون بالعطايا والهبات، والتي منها العفو والرحمة، والتشريف والبركات، والغفران والثناء الحسن، في الدنيا والآخرة.
والحروب من النوازل العظيمة، وسُنَّة الله فيها أنَّها لا تدوم، وأنها تنتهي، قال الله سبحانه “لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ” الرَّعْدِ: 38، فهذه النوازل التي تنزل بالمسلمين مكتوبة عند الله في اللوح المحفوظ قبل نزولها، وقبل أن يخلق الأرض والنفس، وهي نازلة لا محالة، قال المفسرون: “وفي هذه الآية تهوين من الله على المسلمين لما يصيبهم، وأن ما يقع لهم من خسران في الأموال وغيرها مكتوب ومقدر لا مفر منه”، روى ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، فوطِّنُوا أنفسَكم على استقبال الابتلاءات والنوازل، بدوام طاعة الله ورسوله، وبالوحدة، والاعتصام بكتاب الله، وهَدْيِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وأولُ ما يُطلَب من المسلمين في كل وقت وحين، وبخاصة في وقت النوازل أن يتخذوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أسوةً، يقول الله سبحانه “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” الْأَحْزَابِ: 21، فهو صلى الله عليه وسلم أسوة يُقتدى به في جميع أفعاله، ويتعزَّى به صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله؛ فقد لاقى صلى الله عليه وسلم من المشركين أذًى كثيرًا، وجاع بطنُه، ولم يُلفَ إلا صابرًا محتسِبًا.