يا أهلنا في أرض غزة: بُلِيتُم في السراء والضراء، فكنتُم أهل صدق ووفاء وعطاء، أُلحِقتُم بالصديقين والشهداء والصالحين بإذن الله، حماكم الله، رعاكم الله، ابتُليتُم في سبيل الله، واستُشهدتُم ابتغاءَ مرضاة الله، وعما قريب سوف تشرق الأرض بنور ربها؛ “سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ” الرَّعْدِ: 24، سلام عليكم في الأولين والآخرين، سلام عليكم إلى يوم الدين. إن ساكن العرش والملائكة راضون عنكم بإذن الله بما صبرتم؛ صبرتم صبر الأنبياء، وتحملتم ما لم تتحمله الجبال الرواسي، فلم نر إلا قبرًا محفورا، أو كفنا منشورا، أو سيفًا مشهورًا، مقام أحدكم في سبيل الله خير من عبادة غيره سبعين عامًا، لا يعصي الله فيها طرفة عين، أصبتم، وجرحتم واستشهدتم، فيا حسرتاه على العباد؛ “مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” الْحِجْرِ: 11، نبينا عليه الصلاة والسلام قال: “إنكم ستلقون بعدي أثَرَةً، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض”، ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها، فكيف بالقتل والدماء والهلاك والنوم بالعراء؟ وفي هذا الجو القارس البارد؟! ورَد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يُبتلى ببلاء في جسده إلا كتب الله له كل عمل صالح كان يعمله في صحته”. انظروا إلى أهلنا، كيف يُقتَلون في كل لحظة، وفي كل رمشة عين، وهم صابرون، لقد زلزلوا وبلغت القلوب الحناجر، أولئك هم أهل الوفاء والنقاء والعطاء، هم أهل الخير والخيرة والبررة بينهم، أولئك هم عمالقة الصبر والمحن، قدموا كل ما لديهم لله تبارك وتعالى، قدموا أولادهم، وفلذات أكبادهم، فهم يستحقون الحياة؛ “وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ في الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ” الْقَصَصِ: 5-6. وتذكروا أن أمتنا باقية، ولن يضرها مَنْ خذَلَها.