لقَد وُجد دومًا إيمانٌ وكفر، وحقٌّ وباطل، وظلمٌ وعدل، وخيرٌ وشرّ، ولكلّ طرفٍ أنصارٌ يقومون به، فأهلُ الحقِّ يقومون به وبه يعدِلُون، وأهلُ الباطل يقومُون له وبه يَجورُون، وقد قضى سبحانه أن تكونَ العاقبةُ للمتقين، وأن يكون الهلاكُ للكافرين المكذِّبين الضَّالين، قال سبحانه “قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ”. لكنْ في خِضَمّ أَتُونِ هذا الصِّراع، كانت لله سننٌ لا تتبدَّلُ ولا تتخلَّفُ أبدًا، “فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا”. إنّ سُنَّةَ الله تعالى في إهلاكِ الكفّارِ المجرمينَ لا تتغيَّر، إلا أن هذه السُّنَّة تَسبِقُها سننٌ، يُجريها اللهُ تعالى بين يدَيها، توطئةً وتمهيدًا لها وإتمامًا لحكمتهِ منها، كسُنَّةِ إمهالِ الكافِرِين، وسُنَّةِ ابتلاءِ المؤمنينَ وتمحيصِهم، وسُنَّةِ المداولة بين الناس، وسُنَّةِ التدافع، ثم سُنَّةِ النصر والتمكين. ولعلَّ من السُّنن التي يجدُر بنا التأمُّلُ فيها هذه الأيامِ سُنَّةَ التدافع أو المدافعة. ومعنى سُنَّةِ التَّدافعِ أنَّ الله يَدفَعُ الكفّارَ بالمؤمنين، وأهلَ الباطلِ بأهل الحق، وأهلَ الفسادِ بأهل الصَّلاح، يُحيي اللهُ في قُلوبِ أهل الإيمان محبَّتَه والجِهادَ في سبيلِه وإنكارَ المنكَرات، فيقومونَ لله وحدَه مستعينينَ به؛ دفعًا لأهلِ الكُفر والضَّلال حتى يُزهِقَ الله بهم الباطلَ وأهلَه. ولولَا هذا التَّدافُعُ لفسدتِ الأرض، وعمَّ الكفرُ والـخَبَث، وهُدِّمت المواضع التي يُعْبَد فيها ربُّ العالمين وحدَه لا شريك له، وحينئذ يحِلُّ على الأرض عقابُ الله الذي لا يُبقي ولا يَذر، فكان قيامُ أهل الحقِّ بدفعِ أهلِ الباطل نجاةً وأمَنةً للأرض ومن عليها. ماذا لو غَلبَ الكُفارُ على الأرض جميعًا، وأحكموا فيها فسادَهم وطغيانَهم؟ ماذا لو انتفَى الإيمانُ والعَدلُ والطُّهْرُ من الأرض، وعمَّ الكُفرُ والظّلمُ والخَبَثُ الخلقَ؟ كيف ستكون حياةُ الناس يومئِذ؟ قال الله تعالى “الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا”. وقال تعالى “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا”، وقالَ جل جلاله “إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ”.