لو تكلَّمنا سنين وعقودًا ودهرًا من الزمان نحو فضيلةِ ما يقوم به المجاهدون وأصحاب الأرض والمقاومة في فلسطين عامة، وفي غزة خاصَّة؛ من إعادة لكرامة الأمة وعزتها لما كفى ذلك، فهم الذين يحملون لواء الجهاد النقي، فاللواء واحد، والعدو متفق على عداوته، والقضية قرآنية، والصراع فيها كعين الشمس، وإعادة فلسطين واجب شرعي، والثبات حتى عودتها هو طريق الفاتحين، وليس ثمة نصر إلا وله ثمن، “وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً” النساء:104. في الأيَّام الماضية انظروا، كمْ من الأقنعة تساقطت! وكم من عدوٍّ خفي اتضح أمرُه! وكم من شعارات أصبحت زائفة! فظهر كل شيء على حقيقته وأصله، وبانت معادن، واستشرفت معالم، لقد كشفت لنا أحداث غزة أنه كم هناك من صدْر يحمل حقدًا وضغينة على المجاهدين، وكم من أصحاب سموم رموا بسمومهم الجهاد جزْمًا منهم أنه الإرهاب ولو لم يكن تصريحًا، وكم جَيَّش المتصهينون إعلامهم للنيل من أبطال المقاومة.
لقد كشفت لنا أحداث غزة بما لا يشك فيه عاقل -إلا أصحاب الهوى ومنعدمي الضمير- أن الغرب بكل سياساته وأفعاله هو العدوُّ الحقيقي، والمدمِّر الفعلي، وإن كان يتذرَّع بالمنظَّمات وبالحقوق وبالإنسانيَّات التي يضعها لنفسه لا لغيره، وكأنها إعادة لسيرة أسلافهم، ولتاريخ صليبيٍّ قديم يتجدد، وهو متجدد في كل عام، يرتوي من دماء المسلمين، ويُمزِّق وَحْدتهم، ويبعث في نفوسهم الخذلان، ويسعى لتدميرهم. في هذه الحرب انكشف غطاء أذهل الجميع، وكشف بإبهار حجم العمل الميداني والتربية الحقيقية الجهادية، المتمثلة في الإعداد والاعتماد الذاتي، والتربية النفسية والعقدية الصحيحة السليمة للمجاهدين والمقاومين بلا غُلوٍّ أو تكفير أو تناحر أو تصفية، وبتطور كبير، واستفادة من العقول والعلم وأهله في جميع التخصُّصات، فأنتجت لنا قوة أوقفت العدو وأربكت الصهاينة. لقد أخبرنا المجاهدون في غزة بفعلهم أن تفوَّقَهم ليس بالقتال وحده، بل كان بالإيمان، والتوكل على الله تعالى حق التوكل.