أن الاحتلال ورغم تفوقه العسكري والاقتصادي والتقني في المنطقة لا يقوم بمفرده بل يحتاج لدعم خارجي في كل المجالات، حتى وهو يخوض حربًا ضد حركة مقاومة خبرها لعقود، وينسج حول نفسه أساطير القوة والمنعة والتفوق من باب الحماية والحرب النفسية. وهو إلى ذلك لا يبرع إلا في قتل المدنيين وترويعهم، بينما ما زال بعد أشهر من العدوان الوحشي الذي لم يقف عند أي حد يلهث دون جدوى خلف تسجيل إنجاز ولو نسبيًا أو موهومًا أو مدّعى في مواجهة المقاومة الفلسطينية. بل إن توثيق الأخيرة للمواجهات المباشرة بين رجالها، وجنود الاحتلال يظهر الفارق الكبير في الشجاعة والإقدام والمعنويات، بما ينعكس بشكل مباشر على نتيجة هذه الالتحامات التي لا يستفيد الاحتلال فيها من سلاح الجو وتفوقه الميداني في العتاد. ومن أهم ما كشفته هذه الحرب أن المجتمع “الإسرائيلي” ليس شعبًا بالمعنى التقليدي في الدول؛ إذ لا يجمعه تاريخ مشترك، ولا هوية واحدة، وإنما هي شرائح متباينة وأحيانًا متناقضة جُمعت من دول العالم المختلفة، ولم تنجح المؤسسة في صهرها معًا لتخرج شعبًا متجانسًا، فضلًا عن أن يكون له انتماء وقضية تجمعه على شاكلة الفلسطينيين. وعليه، فإن الأسس التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين، لم تعد قائمة كما كانت سابقًا، حيث اختفى بعضها، وتراجع بعضها، بينما يبقى البعض الآخر غير مضمون على المدى البعيد، ما يعني سقوط المشروع وبقاء مستقبله في مهب الريح. ولذلك، قد يكون أصدق ما قالته قيادات الاحتلال في هذه الحرب: إنها حرب وجودية فعلًا، وإن مستقبل وجود الاحتلال في المنطقة على المدى البعيد ليس مضمونًا. وعليه، يحق للفلسطينيين أن يؤمنوا اليوم بأن التحرير لم يعد حُلمًا بعيد المنال، ولا شعارًا عاطفيًا مفرغًا من مضمونه، فضلًا عن أن يكون مستحيلًا، فقد غيّرت حرب “طوفان الأقصى” الكثير.