ما كان للحرب من هدف سام نبيل يومًا ما على هذا الأرض إلا في ظل الإسلام وتعاليمه ومبادئه الخالدة، والذي جعل للحرب الهجومية غاية واحدة وهدفًا واحدًا هو رفع الظلم عن الأمم المقهورة تحت حكامها المتجبرين الذين يمنعون رسالة الإسلام أن تصل إلى شعوبهم، ثم دعوة هذه الشعوب إلى الدخول في الإسلام طواعية بلا إكراه… ولقد لخص ربعي بن عامر هذا في كلماته المشهورة التي وجهها إلى رستم قائد الفرس: “الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبدًا، حتى نفضي إلى موعود الله، قال: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي” تاريخ الطبري، فالغاية من الحرب في الإسلام في جملة واحدة هي: “تعبيد الناس لرب العالمين”. أما الحرب الدفاعية فهي مشروعة لكل أمة وقع عليها ظلم واعتداء لم تستطع دفعه إلا بالحرب كما هو الحال في فلسطين الحبيبة، بل هي فطرة حتى في الحيوانات والطيور والحشرات وجميع الكائنات أن تدافع عن نفسها، يقول الله تعالى “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” الحج: 39-40، يقول البشير الإبراهيمي: “من اللطائف الحكمية أن القتال لم يشرع في القرآن بصيغة “شرع” أو “وجب” أو غيرهما من صيغ الأحكام، وإنما جاءت الآية الأولى فيه بصيغة الإذن المشعرة بأنه شيء معتاد في الاجتماع البشري، ولكنه ليس خيرًا محضًا ولا صلاحًا سرمدًا، وإنما هو شر أحسن حالاته أن يدفع شرًّا آخر. ولأن السلام في الإسلام هو الأصل والقاعدة، ولأن الحرب لا تُشرع إلا في حالة الضرورة والاضطرار، فإنه قد حاطها بسياج من الرحمة والسمو والمبادئ الأخلاقية العليا.