فتنة النظر

فتنة النظر

إنه لا نجاة للعبد من تلك الفتنة إلا بإنجاء مولاه؛ وذاك ما أرشد إليه عبادَه في التعامل مع فتنة النظر بأي ظرف كانت وبأي وسيلة زُخرفت؛ حين قال تعالى: ” قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ” النور: 30؛ ذلكم دواء خالق النفس العالم بما يصلحها وما يضرها. ولمّا كان الغض من قبيل فطم النفس عن شهواتها – سيما إن طال إرسال الطرف وبلغ حد الإدمان -؛ صار الصبر والمجاهدة سبيل تذليله؛ بإعانة الله الصابرين، ووعده المجاهدين هداية السبل، ” ومن يتصبّر يصبّره الله “. وتعاهد تعظيم الله في القلب، والحياء منه من أعظم ما يحجز عن رؤية الحرام، وهكذا استحضار اطلاعه وقربه. سأل الجنيدَ رجل: بم يستعان على غض البصر؟

فأجاب: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه. والإكثار من النوافل جُنّة إلهية عاصمة من زيغ البصر وطغيانه، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي الصحيح: ” وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به “. والإخلاص خلاص للعبد من لطْخ الفحشاء ومقدماتها – ورائدها النظر -كما قال تعالى ” كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ” يوسف: 24. وإقام الصلاة منهاة عن الفواحش ووسائلها، كما قال جل وجل: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر”. وتذكّر الشهادات الثلاث حاجز عن تسريح المُقَل في مراتع الحرام؛ فالأرض تشهد يوم تحدِّث أخبارَها، والكرام الكاتبون يشهدون، والعين تنطق بالشهادة يوم العرض حين يُخرس اللسان، كما قال تعالى ” حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” فصلت: 20.

وأعظم وسائل السلامة من تلك الفتنة التحرزُ الوقائي؛ إذ من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه؛ وذلك بألا يقرب المرءُ مواقعَ المناظر المحرمة الثابتة والمتحركة، الحقيقية والمرسومة، ولا ينساقَ وراء الفضول ومحبة الاستطلاع، ولا يختليَ بجهاز الاتصال خاصة مع طول التصفح دون تحديد هدف مثمر؛ فتلك الخلوة الطويلة العارية عن الهدف أسنحُ فرصةٍ شيطانية لإيقاع العبد في حوبة النظر وشرَك حبائله. وقد كان من دعاء النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم: ” اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر نفسي، ومن شر منيي”. رواه أبو داود وصححه الحاكم.