فبما كسبت أيديكم

  فبما كسبت أيديكم

 

قـال الله تعالى: ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ” الشورى: 30، تتضمن الآية الكريمة جملةً من المضامين التربوية التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها في وقت كثرت على الأمة المسلمة المصائب والرزايا؛ لعلنا بتدبُّرنا هذه الآية وأمثالها وما احتوته من مضامين أن يكون فيها عظة وعبرة وتذكير بأهمية العودة الصادقة إلى الله تعالى، ومن هذه المضامين:

أولًا: إن ما يُصيب الإنسان أو الجماعة قلَّ عددُه أو كثُر إنما هو بسبب ما ارتكبته الجوارح من المعاصي والذنوب، وجاء ذلك مؤكدًا في عدة آيات: منهــا قوله تعالى: ” أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” آل عمران: 165.

ثانيًا: إن ما يصيب الإنسان في الغالب الأعم هو المتسبِّب الرئيس فيه بسبب تقصيره في جنب الله تعالى، إما في عدم إتباع أوامره أو في عدم اجتناب نواهيه، ويتجلَّى هنا عدل الله تعالى بأنه لا يظلم أحدًا ولو مثقال ذرة؛ قال تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ” النساء: 40، وقوله تعالى: ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ” فصلت: 46.

ثالثًا: إن القاعدة الشرعية والسنة الكونية تؤكِّد أن من عمل خيرًا لقي خيرًا، ومن عمل شرًّا لقي شرًّا؛ قال تعالى: ” فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” الزلزلة: 7، 8، فالجزاء من جنس العمل، وهذا يجعل الإنسان المسلم يحتاط لنفسه من الوقوع في المعاصي والذنوب؛ لأنه سيعاقب عليها إما عاجلًا وإما آجلًا، إلا أن يتداركه الله تعالى بواسع رحمته وعفوه، وفي المقابل يجب أن يحرص ويسعى جاهدًا في الإكثار من عمل الخير؛ فهو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة.

إن كل هذه الآيات الكريمات وغيرها توضِّح وتؤكد سنة كونية عامة لا تتغيَّر ولا تتبدَّل بأن ما يصيب الإنسان أو الجماعة من مصائب ونكبات وبلاء هو بسبب ذنوبه ومعاصيه؛ ولذلك يجب على المسلم الحذر ثم الحذر من ارتكاب المعاصي والذنوب، ومخالفة أوامر الله تعالى.