يعتبر العمل التطوعي أحد أشكال التعاون، ومظهر من مظاهر الرقي الإنساني في زماننا، وهو من العمل الصالح ومن مكارم الأخلاق. ولقد عرفت البشرية منذ القديم فضيلة التعاون على الخير، وجاء الإسلام فأقره وعززه، وقد قال الله عز وجل في محكم تنزيله “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” المائدة: 2. والتعاون المقصود في الآية الكريمة هو التعاون على فعل الخير في نهي صريح عن كل ما يحمل ضررًا ومفسدة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالًا يحتذى لخُلق التعاون حتى قبل البعثة، والدليل حديث أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها عند بدء نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأول مرة فيما نصه “فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ:زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ” البخاري. وقد احتوى قصص القرآن الكريم على هذا الخلق الكريم ومنه ما ورد في قصة موسى عليه السلام مع بنتي صاحب مدين في سورة القصص ” وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ” القصص: 23، 24. وإن لهذا العمل ثمرات كثيرة، أولها ما اقترن بنية صاحبه من إخلاص لله واحتساب للأجر ليكون عمله قربى لله عز وجل ومدعاة لرضائه و محبته، وهو القائل جل جلالة: ” وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” البقرة 195، ناهيك عن الفوائد الروحية والاجتماعية والأدبية والحياتية التي يجنيها المتطوع الذي طالما اعتقد أنه ينفع الآخرين ويغير حياتهم إلى الأفضل إلا أنه في الحقيقة ينعم هو ذاته بنفس هذه المزايا، وإن اختلفت دوافع المتطوعين إلا أنه يحظى بعديد المكاسب التي أذكر منها:
التعبير اللائق عن الولاء للمجتمع الذي ينتمي له عن طريق تقديم خدمات مفيدة له. تمتعه بروح التعاون وما تحمله من رقي أخلاقي وأدبي واجتماعي. تغيير رؤيته المستقبلية للحياة نحو الأحسن.
الكاتب أنور النبراوي