غلاء الأسعار…أسبابه وعلاجه

غلاء الأسعار…أسبابه وعلاجه

إن مشكلة غلاء الأسعار مما عمَّ بها البلوى، وكثرت منه الشكوى، وطار خبره وانتشر، وصار حديث الناس في مجالسهم ومنتدياتهم. وهذه المشكلة لا بد من النظر إليها بمنظار الشريعة؛ لأنها إذا لم تعالج معالجةً صحيحةً أدَّتْ إلى كوارث ونتائج سيئة؛ كانتشار الفقر، والبطالة، واليأس، والسرقة، والإجرام، وإلحاق كثير من الطبقة المتوسطة بالفقراء، وشيوع الربا والزنا، وقلة الزواج والعفاف، وكثرة الأيامى، وحصول الهم والغم والحزن وغيرها، فكان لا بد من الوقوف على أسباب هذه الأزمة لنقدر على علاجها. ومن أسباب الأزمة:

– التمادي في الذنوب والمعاصي: إن المؤمن ليعلم علمَ يقينٍ أن ما يقع في الناس من مصائب وكوارث ووباء وبلاء وغلاء؛ إنما يكون ابتداءً بسبب ذنوبهم وإعراضهم عن ربهم؛ قال تعالى “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ” الشورى: 30، ويقول صلى الله عليه وسلم: “يا معشر المهاجرين، خمسُ خصال إذا ابتليتم بهن – وأعوذ بالله أن تدركوهن – لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أُخذوا بالسنين، وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم” رواه ابن ماجه.

– وعلاج ذلك بالعودة الصادقة إلى الله، وإلى دين الله؛ قال تعالى “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون” الأعراف: 96، وقال تعالى “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” الطلاق: 2، 3، ورسم القرآن طريق الحياة الطيبة؛ والسعادة الفعلية، فيقول الله تعالى ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” النحل: 97. فالغلاء والوباء وسائر البلاء يعالج بالتفرُّغ للعبادة، والتفرغ للعبادة ليس معناه الانقطاع عن الكسب؛ وإنما معناه: أن يكون العبد حاضر القلب والجسد أثناء العبادة، وألا ينشغل بالعمل عن العبادة.