بين نجاح تظاهرة و تألق اخرى غزة الثائرة حاضرة في كل المناسبات جنبا الى جنب مع التظاهرات المخلدة لسبعينية الثورة المجيدة حيث عرفت مختلف مناطق الوطن تنظيم فعاليات في السينما والمسرح والأدب والفكر وغيرها, أبرزت زخم هذا الحدث الوطني الهام ومكانته لدى الشعب الجزائري.
وقد سطرت وزارة الثقافة والفنون, بهذه المناسبة, برنامجا ثقافيا وفنيا وفكريا ثريا يعكس المكانة التي تستحقها هذه الذكرى التي يوليها رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, عناية كبيرة وحرصا شديدا, بهدف إعطائها الزخم الذي تستحقه, عبر برنامج يسمو إلى عظمة هذا الحدث الوطني الذي يتزامن مع بطولات الغزويين في مقاومة الاحتلال. الصهيوني. وقد عقدت, في هذا السياق, عدة ندوات حول الثورة على غرار “روح ثورة 1 نوفمبر 1954 المجيدة: إرث للأجيال” و”المؤرخون والكشف عن الجرائم الاستعمارية” و”كتاباتنا حول نوفمبر”, و “النصوص المؤسسة للثورة الجزائرية” و”الثورة الجزائرية في الكتابات العربية”, إلى جانب ندوة حول “التصوف والقيم الإنسانية عند الأمير عبد القادر” الى جانب نظوات تطرقت كلها الى كتبابات تناولت القضية الفلسطينية بتفاضيلها.
ونظم, من جهته, المركز الوطني للكتاب ملتقى وطنيا بالمكتبة الوطنية الحامة بالعاصمة, يومي 19 و20 نوفمبر, حول “أدب المقاومة في الجزائر, الثقافة في مواجهة الخطاب الكولونيالي”, تمحور حول عدة مواضيع من بينها تفكيك الخطاب الاستعماري ومقاومة العولمة والهيمنة الغربية.
وسمحت, بدورها, المهرجانات السينمائية المنظمة هذه السنة, على غرار مهرجان الفيلم العربي بوهران (4-10 أكتوبر), فرصة لطرح موضوع القضايا العادلة عبر العالم واستذكار أسماء سينمائية خدمت الذاكرة الوطنية عبر الصورة, كما هو الحال مع المخرج محمد لخضر حمينة, مخرج فيلم “وقائع سنين الجمر” (1975). وخصصت تظاهرات سينمائية أخرى عبر الولايات برامجها للاحتفال أيضا بهذه الذكرى المجيدة, على غرار الطبعة ال18 للمهرجان الثقافي الوطني للفيلم الأمازيغي بتيزي وزو, وتظاهرتي “بانوراما سينما الثورة” بالجلفة و”السينما في الهواء الطلق” بالمدية. وفي إطار السينما أيضا, نظمت الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية في 3 أكتوبر بالعاصمة ندوة حول “السينما وثورة التحرير الجزائرية”, تم خلالها إبراز أهمية دبلوماسية الصورة ودورها في التعريف بالقضية الوطنية ودحض الدعاية الفرنسية الاستعمارية المعادية لإرادة الشعب الجزائري في الاستقلال، كما كانت القضية الفلسطينية حاضرة بافلام و ندوات في هذاالشأن.
وشكل بدوره الملتقى الدولي حول “السينما والذاكرة”, المنظم بالجزائر العاصمة من 9 إلى 11 ديسمبر, فرصة لمناقشة عدة قضايا تمحورت أساسا حول دور السينما في بناء الوعي التحرري وتجربة السينما الجزائرية أثناء وبعد الثورة التحريرية وكذا إشكاليات تثمين وترويج الفيلم المقاوم.
ثمانية اعمال مسرحية كبرى و ملاحم و جولات فنية

وفي مجال المسرح, تم بمناسبة السبعينية إنتاج وتوزيع ثمانية أعمال مسرحية كبرى من طرف المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي ومسارح جهوية, وهي أعمال تسلط الضوء على نضال الشعب الجزائري وكفاحه ضد الاستعمار الفرنسي, حيث تم في هذا الإطار عرض مسرحيات من قبيل ”زهرة الرمال تنتفض” للمسرح الجهوي لأدرار, “سفينة كاليدونيا” للمسرح الجهوي لتيزي وزو, “الثائرون” للمسرح الجهوي لقسنطينة وكذا “الاختيار” للمسرح الجهوي لسعيدة. ومن جهة أخرى, تم تقديم عدد من العروض الفنية الكبرى بالعاصمة من قبيل “ثمن الحرية” من إنتاج أوبرا الجزائر و”تهاقرت .. ملحمة الرمال” من إنتاج ديوان رياض الفتح, حيث ترجمت هذه الأعمال الركحية والاستعراضية روح النضال والكفاح لدى الشعب الجزائري ومقاومته المسلحة للاستعمار الفرنسي في سبيل الحرية والوطن. وضمن هذه العروض أيضا, خصص الديوان الوطني للثقافة والإعلام, ابتداء من شهر نوفمبر, برنامجا متواصلا من الجولات الفنية, من عروض موسيقية ومسرحية وغيرها, عبر مختلف الولايات, احتفاء بهذه الذكرى, وهذا تحت شعار “قوافل الذاكرة, نوفمبر المجيد, وفاء وتجديد”.وأما في الفن التشكيلي, فقد جمعت تظاهرة “بانوراما الفن التشكيلي الجزائري 1954- 2024”, التي احتضنها قصر الثقافة مفدي زكريا بالعاصمة بمناسبة السبعينية, أزيد من 200 عمل تشكيلي جزائري ومجموعات متحفية وفنية خاصة, عكست تطور الفن التشكيلي في الجزائر عبر ما يزيد عن 70 سنة من العطاء.
” المسافة صفر” من غزة الى وهران ثم الاوسكار

كانت وهران محطة لعرض الجزء الأول من مشروع أفلام وثائقية فلسطينية بعنوان “من المسافة صفر” الذي سيمثل الفن السابع الفلسطيني في جوائز الاوسكار.
وتعتبر هذه الأفلام مثال استثنائي للتصدي وللتحدي للمخرجين الفلسطينيين، الذين حملوا الكاميرا لنقل أوضاع سكان غزة عن بعد مسافة صفروهو ما يؤكد بموقف الجزائر شعبا وحكومة المساند للقضية الفلسطينية والمتضامن مع الشعب الفلسطيني الصامد أمام آلة حرب الكيان الصهيوني.
ويتضمن الجزء الأول من هذا المشروع السينمائي 11 فيلما من ضمن 22 من توقيع 22 مخرجا من فلسطين، تم تصويرها بغزة خلال الحرب الجارية وبإمكانيات محدودة وفي الخيم والدمار الذي خلفه العدوان الصهيوني ومختلف أشكال الجرائم الذي يقترفها يوميا في محاولة منه إبادة الشعب الفلسطيني ومحو تاريخه. وقد حضر الجمهور بقوة لمتابعة أفلام الجزء الأول التي تتعلق بـ “سيلفي” لريما محمود و “لا إشارة” لمحمد شريف و”سوري سينما” لأحمد حسونة و” فلاش باك” لإسلام زريعي و”صدى” لمصطفى كلاب و “كل شيء على ما يرام” لنضال دامو و”بشرة ناعمة” لخميس مشهراوي و”سحر” لبشار البلبيسي و”المعلم” لتامر نجم و”يوم دراسي” لأحمد الدنف و”أوفر لود” لعلاء إسلام أيوب، وتنقل هذه الأفلام تفاصيل يوميات أهل غزة، الذين يعانون مختلف أشكال الجرائم المرتكبة في حقهم من قبل الكيان الصهيوني منذ 7 أكتوبر من السنة الماضية وذلك برؤى وتجارب وأفكار إبداعية وبأساليب فنية مختلفة من مخرج لآخر. وفي تصريح إعلامي، قال المبادر بهذا المشروع السينمائي “من المسافة صفر” المخرج والمنتج الفلسطيني، رشيد المشهراوي، أن هذه الأفلام تنافس في المهرجانات بقيمتها السينمائية وتعتبر وثيقة سواء الآن أو للآجيال القادمة توثق التفاصيل الصغيرة للحرب الجارية في غزة”، وبخصوص عرض هذه الافلام بفلسطين، ذكر المخرج المشهراوي ” لقد تم عرضها في غزة رغم الحرب وبعشر مدن فلسطينية والعرض الوحيد الذي منع فيه كان في القدس المحتلة من طرف الكيان الصهيوني، الذي أوقفه بقوة السلاح واعتبره نشاطا إرهابيا”، معلنا أنه سيتم عرض هذه الأفلام في 80 بلدا، وعن مشاركة أفلام “المسافة صفر” في جائزة الأوسكار، قال ذات المتحدث أن “هدفنا من المشاركة يكمن في تسليط الضوء على ما يجري في غزة”.
وفي نفس الاطار دعا المشاركون في الملتقى الدولي حول “السينما والذاكرة”, في ختام أشغال هذه التظاهرة إلى الاستثمار في توزيع وتسويق الأفلام التي تخدم الذاكرة وتعزز قيم ومضامين سينما المقاومة في مختلف المجالات, من أجل ترسيخ رافعت اللجنة في توصياتها أيضا من أجل “تعزيز وإدراج قيم ومضامين سينما المقاومة في مختلف المجالات, من أجل ترسيخ قيم الثقافة الوطنية”, وكذا “تثمين الأعمال الهادفة في مجال السينما والذاكرة والتي تعمل على نشر الوعي التحرري وتسليط الضوء على القضايا العادلة في العالم”.
كما أشارت في هذا الصدد إلى “تشجيع تشكيل تكتلات سينمائية تهدف لكسر الاحتكار العالمي للسينما من قبل الشركات السينمائية الغربية التي تروج لمضامين استعمارية”, وذلك سعيا ل “خلق حصانة ثقافية وطنية في مواجهة إكراهات السينما العالمية”.
وفي المقابل, طالبت اللجنة ب “ترميم الرصيد السينمائي الوطني خدمة للتاريخ والذاكرة الوطنية وحفظه من التلاشي والاندثار”, وكذا “العمل على استرجاع الأرشيف السينمائي والتاريخي الموجود في الخارج, خاصة في دور الأرشيف, وإتاحته للباحثين وصناع السينما”.
وكانت أشغال الملتقى الدولي “السينما والذاكرة, نافذة على الماضي ورؤية للمستقبل” (9 – 11 ديسمبر) قد عرفت حضور باحثين ومختصين من 16 دولة, ابرزها فلسطين في اختصاصات مختلفة, منها السينما والتاريخ والإعلام والسمعي البصري, وكذا مهنيو السينما وصناعها من مخرجين ومنتجين وكتاب سيناريو وتقنيين.
حاء/ ع