عُثر عليها في الصوف وعند إفراغ رمال البناء وحتى بين الخضر… العقارب السامة تتسلل إلى أحياء العاصمة.. عقرب بوزريعة يصنف غير قاتل رغم سميته

عُثر عليها في الصوف وعند إفراغ رمال البناء وحتى بين الخضر… العقارب السامة تتسلل إلى أحياء العاصمة.. عقرب بوزريعة يصنف غير قاتل رغم سميته

أضحت الجزائر تولي أهمية كبيرة للدغات العقارب، بعد تسببها في وفاة الكثيرين سيما في الصحراء والمناطق الرطبة.

وقد سارعت إلى تشييد معاهد تدعم معهد باستور في دراسة أنواع العقارب ودرجة سميتها، والأهم صناعة ترياق ينقذ ضحاياها، وقد أضحوا كثرا مع تزايد عدد السكان بسبب النمط العمراني الذي بنى مدنا كاملة فوق أعشاش هذه العقارب، ضف إليها التسيير الكارثي لعدد من المجالس البلدية التي عجزت عن توفير بيئة نظيفة تحول دون تكاثر هذه الحشرة القاتلة التي انتقلت إلى المدن عبر أكثر من طريقة، بعدما عثر عليها عند إفراغ الرمال قصد البناء، كما تسللت إلى صناديق البصل والخس واختبأت في أكوام الصوف القادمة من الهضاب العليا، ضف إليها تلك المتواجدة في أعالي بوزريعة التي صنفت بكونها سامة، لكن غير قاتلة رغم الالتهابات الخطيرة التي تسببها  .

روبورتاج: إسراء. أ

تشرع العقارب السامة وبمجرد ارتفاع درجات الحرارة في الخروج من جحورها بحثا عن البرودة، إذ لم تعد تأوي إلى الصخور بحثا عنها كما كانت عليه فيما مضى، بعدما وجدت لها أماكن أكثر إنعاشا تتوفر فيها الشروط التي تقضي كل حياتها بحثا عنها، فزحفت على المنازل التي شيدت أصلا فوق أعشاشها دون أي استراتيجية لمجابهة هذا الخطر الذي لم تتعدَ مواجهته مجرد حقن المصاب بالمصل وفقط، في حين ما تزال عوامل انتشارها ثابتة وما تزال منازل الجزائريين قبلة لهذه الحيوانات المنتمية إلى فصيلة العنكبوتيات، بحيث تتسبب خلال كل صائفة بلسع الكثيرين داخل منازلهم، ابتداء من السادسة مساء حتى فجر اليوم الموالي، ويقال إن هذه الحشرة عصية حتى على الإشعاعات النووية في مقابل تجاهل السلطات الجزائرية على مدار عقود تبني أي برامج لمنع توغل العقارب إلى وسط الأحياء السكنية مكتفية بالطرق التقليدية التي كان الانسان يستعملها قبل آلاف السنين في حربه الشرسة معها.

 

مبادرات توعوية لتقليل خطر العقارب بمدن العاصمة

شنت منظمة حماية المستهلك، مؤخرا، حملة تحسيسية للحد من خطر سم العقارب في المدن العاصمية، سيما مع جهل الكثيرين لطرق التعامل معها على عكس سكان الصحراء والهضاب العليا الذين تعودوا على مقاومتها خاصة في ورقلة، غرداية والنعامة التي تعد بعض المناطق فيها مساكن لها وشبّ أطفالها على جمعها لأجل دواعي طبية وترسل إلى معهد باستور بالعاصمة مقابل بعض النقود، ونبهت المنظمة إلى حقيقة تسللها للمدن عبر طرق كثيرة، كما أشار إلى ذلك عمال البناء الذين عثروا على عدد منها عند إفراغ الرمال بالأحياء السكنية الجديدة، وهي من النوع الخطير الذي لا يستغرق المعرّض للسعتها أكثر من ساعتين ليلفظ أنفاسه في غياب الترياق، كما وجدت داخل أكوام الصوف التي جزت من الأغنام قبل أسابيع أو حتى أيام فقط، وكانت الحرارة الشديدة قد جعلت هذه العقارب تأوي إليها وتنتقل معها إلى عدة مناطق خارج منطقة الهضاب العليا، والأخطر منها جميعا تحويلها لبعض أكياس الخضر كبؤر لها على غرار أكياس البصل والخس التي تقبل عليها، الأمر الذي جعل المنظمة تنبه إلى ضرورة الحذر واعتماد وسائل الحيطة سيما عند اشتداد الحرارة، وشددت على ضرورة الاهتمام بنظافة المحيط والحرص على الإضاءة مع تربية بعض الحيوانات لمن تتوفر له الإمكانيات لذلك على غرار القطط والدجاج، وإن أتيح لهم التعامل مع القنافذ فهي أحسن الحيوانات التي تصطادها، وهذا لانعدام الوسائل الحديثة لمجابهة هذه الحشرة التي تقاوم المبيدات وتعيش دون غذاء أو ماء لأكثر من شهر، وعادة ما تخرج من جحورها أو مخابئها داخل المنازل في الأيام التي تعرف نوعا من البرودة وتلسع ضحاياها الذين لا ينتبهون إليها، أغلبهم الأطفال الحفاة، ولسوء الحظ فإن مقاومة الأطفال لها تكون أقل ولا يتاح لهم من الوقت إلا نصف ساعة أو ساعة على الأكثر قبل أن تحطم السموم جهازهم العصبي في غياب الترياق أو عند سوء استعمال الإسعافات الأولية والتي تزيد من نشاط هذا الجهاز كالخوف أو الجريان وغيرها.

كما لم تنسَ المنظمة تنبيه أولئك الذين يقبلون على الشواطئ والغابات إلى هذا الخطر، والتحلي بالحيطة عند التنزه سيما مع جهلهم لكيفية التعامل مع سمومها، مع الحرص مستقبلا على تنظيم دروس للتلاميذ، والانتباه أكثر خلال شهر جويلية لأن الإصابات تبلغ أوجها، سيما بين الساعة السادسة مساء إلى غاية السادسة صباحا، حيث تشتد درجة الحرارة خلال هذا الشهر من السنة، مما يدفع بالعقارب إلى البحث عن الرطوبة داخل المنازل.

 

عقرب بوزريعة السام وطرق تفاديه

يجهل الكثيرون الإسعافات الأولية التي يجب اتخاذها عند التعرض للسعات العقارب، سيما وأن لسعة واحدة كفيلة بإرباك جسد المصاب والتأثير على وظائف أعضائه، بدء بالحمى فالتقيؤ ثم التعرّق و الإعياء وصولا إلى تعطّل أداء القلب بعد تراجع تدريجي في دقاته، ليجد المعني نفسه مشلولا عاجزا عن الحركة في أقل من ساعة من الزمن وأخيرا الموت المؤكد، ولم يعد المصل المعطل لفعالية السم العقربي كافيا لحماية الضحايا من خطرها، سيما أن الكثيرين لا يبلغون المراكز الاستشفائية في الوقت المناسب ويرتكبون أخطاء فادحة قبل بلوغها، وتتباين خطورة هذه اللسعات حسب مواقع انتشارها، الأمر الذي جعل الجزائر تعدّ خريطة لانتشار السم العقربي والتي تضم تقريبا كل ولايات الوطن، وصُنف العقرب المنتشر في بوزريعة بكونه سام ولكنه غير قاتل، بل يسبب بعض المشاكل الصحية وبعض الالتهابات فقط، لكن وجوب الحذر مطلوب لأن المعطيات الموجودة قد تتغير في أي لحظة، وإذا وجد هذا النوع بيئة مثالية للعيش، فلن تجد الأنواع الأخرى أي صعوبة في تحويلها إلى بؤر لها .

 

شعوذة وإسعافات خاطئة لإنقاذ المصابين

يصر الكثيرون على اتباع إسعافات أولية خاطئة في مجابهة خطر السم العقربي، وقد ورثوها من معتقدات أجدادهم ظنا منهم أنها تدخل في إطار التداوي التقليدي، فمنهم من يستعمل الخل أو بعض الأعشاب الصحراوية كعشبة الرمد، وهناك البعض الآخر يستعمل غاز البوتان لتجميد السم وآخرون يعمدون إلى امتصاص ما يحسبونه سما بعد إحداث جرح بموقع اللدغة وأيضا الاكتفاء بالرقية وأحيانا أخرى الاستسلام إلى سلوكات أخرى خطيرة كما وقع لامرأة من المسيلة التي عملت على إرضاع أحد العقارب بأن سقته بقليل من حليبها حتى لا يؤذي ابنها الذي أصبح أخا له في الرضاعة، وهو ما لم يحدث، فقد لدغ الرضيع الذي مات بعد ربع ساعة فقط من الحادثة، ومنهم من يتجرأ على الاتيان بطقوس من الشعوذة بعيدا عن أي دراسات علمية تعد الوسيلة الوحيدة لإنقاذ المصاب من خلال المصل الذي يعد الحل الوحيد لتعطيل فعالية السم القاتل، مع ضرورة نقل المصاب إلى المراكز الاستشفائية خلال الساعات الثلاث الأولى للإصابة.

 

النمط العمراني والمجالس البلدية وراء الأعشاش الجديدة للعقارب

شيدت الجزائر أحياء سكنية جديدة على مدار عقود من الزمن، دون أن ترفق ذلك بأي مخطط يضع حدا لتواجد العقارب وإمكانية تسللها إلى داخل المنازل والشقق، اعتقادا منها أن العقارب تأوي إلى القفار والخلاء في الصحاري، حيث تختبئ بين الأحجار تجنبا للحرارة قبل أن تكتشف بعد فوات الآوان أنها بنت أحياء كاملة فوق أعشاشها ولا سبيل لمحاربتها غير الطرق التقليدية التي تبقى غير كافية أمام المقاومة الكبيرة التي تظهرها، سيما بالنسبة لقاطني المدن الشمالية كالعاصمة التي بالكاد يعرف سكانها مختلف أنواعها، وعلى مدار سنوات اقتصرت اتهامات التقصير على المنظومة الصحية التي عجزت عن إيجاد بديل عن المصل في تفادي أذاها مع قلته وعدم بلوغه مختلف المناطق الموبوءة بالحيوان، إذ وفي كل مرة تسجل فيها حادثة وفاة بلدغة عقرب حتى تعلن الحرب على القطاع الصحي وتكال له الاتهامات مع حملات فايسبوكية مشحونة بالانتقادات تزداد وطأتها من حين لآخر على غرار الحملة التي أعقبت وفاة الدكتورة عويسات بواد سوف قبل عامين ومعها طفل من ورقلة، وهي حملات بقدر ما تجبر القطاع الصحي على تحمل كامل مسؤولياته، بقدر ما تتغاضى عن نقائص كثيرة سببت المشكل قبل وقوع الحادثة أصلا، حيث أجمع كثير من الخبراء على أن يوميات الجزائريين والنمط العمراني و التقصير المسجل بالنسبة للسلطات المحلية في توفير أساسيات العيش الكريم، ساهمت في خلق بيئة ملائمة لتكاثر العقرب الذي يعشعش في المناطق الملوثة، وهي محاور أساسية ركز عليها معهد باستور في حملاته التحسيسية، بلغت درجة اللجوء إلى الأئمة لتوعية المواطنين والسلطات المحلية بضرورة التكاتف لمنع زحف العقارب على المنازل التي يسجل بها أكثر من نصف عدد اللدغات المسجلة .

وتواصل اللجنة الوطنية للوقاية من لسعات العقارب بوزارة الصحة حملاتها التحسيسية، بضرورة تنظيف محيط المنازل، من خلال إبعاد النفايات المنزلية عن الأحياء السكنية مع العمل على توفير الإنارة العمومية وتزفيت الطرق والأرصفة، بالإضافة إلى تشجيع عمليات الجمع من طرف الجمعيات للتخفيض من تكاثر هذا الحيوان، وقد ذهب كثيرون إلى ضرورة إخضاع الجمعيات النشطة في هذا المجال إلى تكوين لمعرفة أنواع العقارب و كيفية التقاطها لإنقاص عددها في أسرع وقت، خاصة وأن الأنثى تضع أسبوعيا قرابة 120 صغيرا، والأهم حماية هؤلاء أثناء عمليات الجمع التي كثيرا ما يقوم بها مجرد أطفال بوسائل بدائية.