السعادة مطلب البشرية جمعاء، وقد تخبط الناس وتحيروا في التماس طريق السعادة ففريق ظنَّ أنها في المال وكثرته فسعى في جمعه ليل نهار، وآخرون توهموا أنها في طلب الشهوات وإشباع الغرائز الحيوانية، وهناك مَنْ سعى خلف الشهرة والجاه لتحصيل السعادة. والحق أن هؤلاء وهؤلاء طلبوا سعادة زائفة وتجارة خاسرة، وسعوا خلف خيال طيف وسحابة صيف: ” كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” النور: 39. وسبيل السعادة ليس يدرك بالجاه والشهرة ففي ختام قصة قارون صاحب المال والثروة العظيمة يقول الله تعالى: ” تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ “، القصص: 83. إن الجاه والمنصب بريق زائف زائل لا يسعد به العبد في الدنيا ولا في الآخرة إلا من وفقه الله ليسخرها في الطاعة والمعروف والإصلاح بين الناس، فذلكم هو الجاه المحمود.
وبعض الناس طلبوا السعادة في الشهوات المحرمة فظل عاكفاً على ذلك في ليله ونهاره وغدوه ورواحه فقبع في سجن الشهوة ثاوياً وفي بئر المعصية ساقطاً وفي أودية الحيرة هائماً، وشقاء القلب بالمعاصي، وضيق الصدر بالإعراض عن ذكر الله، والسعادة والطمأنينة بطاعة الله وعبادته: ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ” طه: 124. وبعضٌ من الناس الذين بُهِروا بغير المسلمين ومدنيتهم المزعومة وظنوا أنهم في قمة السعادة لأنهم يعيشون في أغنى بلاد العالم وعندهم من الشهوات والحريات والإباحية ما هو كفيل بإسعادهم وراحتهم، ولكن الواقع يشهد على أن القوم في قمة الشقاء والبؤس والضنك . فالسعادة الحقيقية إنما تكون في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ” الأنفال: 24.
الكاتب أنور النبراوي