قال الكاتب الجزائري عبد الوهّاب عيساوي الحاصل على الجائزة العالمية للرواية العربية 2020 عن روايته “الديوان الإسبرطي”، إن للرواية التاريخية دوراً مكمّلاً للتاريخ، حيث أن معظم التاريخ المدوّن للوطن العربي كان قد كتب وفق منهجية معيّنة، فهو في أغلب الأحيان تاريخ سياسي يسرد حقائق دول قامت وسقطت، ولم يُكتب ضمن سياق مجتمعي أو علمي.
وتأتي الرواية التاريخية للكشف عن أحداث هامشية تسلّط الضوء على وجهات نظر الأفراد في ذلك الزمان ممن شكّلوا قاعدة معيشية لهذه الدول بعيداً عن التوجهات السياسية، فتشكّل سوياً شبكة متداخلة من السرديات التاريخية المتعددة كل حسب منظوره الشخصي، عوضاً عن سرد تاريخي أحادي التوجه.
جاء ذلك خلال استضافة معرض أبوظبي الدولي للكتاب، في جلسة افتراضية مؤخرا تم بثها على قناة المعرض على موقع “يوتيوب”، حيث أعرب عيساوي عن فخره بفوز روايته “الديوان الإسبرطي” بالجائزة العالمية للرواية العربية كونها تعدّ من أهم الجوائز الأدبية للروايات، وذلك لتميز طريقة التحكيم والترويج الإعلامي. ولا يتوقف عطاء هذه الجائزة عند الفوز فقط، بل يمثل الفوز بداية لانطلاقة جديدة للنص الفائز، حيث تفتح له آفاقا جديدة منها الترجمة إلى لغات أخرى والإشهار على مستوى عالمي.
وتحدّث الكاتب عن كيفية إتاحة رواية “الديوان الإسبرطي” للقارئ أن يتمعّن في تاريخ احتلال الجزائر وأن يطلّ على وضعها الحالي في نفس الوقت، حيث يرى أن التوازي بين الماضي والحاضر هو أساس الرواية التاريخية، فلابد من الخوض في ما وراء الوقائع التاريخية بحد ذاتها والبحث في كيفية نشأة وتبلور عدد من القضايا والأسئلة الراهنة التي يواجهها المجتمع حالياً نتيجة أحداث ماضية، وذلك عبر البحث في أنماط معيّنة نشأت عبر التاريخ. وعليه، تتضمن الرواية الكثير من الأسئلة الراهنة التي يعاصرها المواطن الجزائري، بما فيها من أسئلة هويّاتية، وأسئلة تتعلق بالانتماءات، والاشتراكات الثقافية الناتجة عن تماس المفاهيم الحضارية بين الشرق والغرب والمنظور المتوسطي والإفريقي وغيرها من الاختلاطات الحضارية والثقافية الهامة في تاريخ الدولة.
وتطرقت الجلسة إلى استخدام عبد الوهاب عيساوي الأنيق للكلمات والمفردات البليغة لوصف الأحداث في روايته مما يوضّح شغفه الكبير باللغة العربية، على الرغم من كونه مهندس ميكانيكية كهربائية، وقال بأنه يستمد هذا الشغف العميق من تعلّقه بكتب التراث العربي وكتّابه بمن فيهم الجاحظ وأبو حيّان التوحيدي، والشعراء القدامى، والمدونات السردية والسير الذاتية العربية القديمة، فهو يؤمن بضرورة تواجد علاقة حميمية تربط الكاتب بثقافة اللغة التي يكتب بها، فهذه العلاقة مع اللغة في تكوينها وتجليّاتها هي ما تصنع كاتباً محنّكاً، وليس في المسار الأدبي الفني فحسب، بل في المسارات العلمية أو الطبية أو الفكرية وغيرها من المسارات الكتابية. وحين سؤاله حول أكثر الكتّاب المعاصرين الذين أثّروا على كتاباته وتشكيل فكره الأدبي، ذكر الكاتب السعودي عبد الرحمن منيف وبرر ذلك بقوله بأن منيف دائماً ينتصر في كتاباته لشخصية عربية غير معرّفة ذات ملامح ثقافية متعددة والتي تنتمي إلى فضاء واسع، ومن الكتّاب الجزائريين واسيني الأعرج وعبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطّار.
ب/ص