مناسبة للحث على التآزر

عيد عاشوراء بغرداية.. إحياء تقاليد متوارثة للمحافظة على التماسك الاجتماعي

عيد عاشوراء بغرداية.. إحياء تقاليد متوارثة للمحافظة على التماسك الاجتماعي

تحيي الجزائر، الاثنين، يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري، ويرتبط هذا اليوم بالعديد من الأحداث والتواريخ، ومن هنا يكتسب أهميته، فهو اليوم الذي نجّى الله فيه موسى وقومه من آل فرعون، ويعتقدون بأن نبي الله موسى، صام ذلك اليوم للإعراب عن الامتنان لله، لتحرير قومه من سيطرة فرعون وأتباعه، إضافة إلى كونه اليوم الذي تاب فيه الله على سيدنا آدم، ونجّى فيه سيدنا يونس من بطن الحوت، وكذا سيدنا إبراهيم من النمرود، إضافة إلى أحداث أخرى.

 

المسلمون أولى من اليهود بعاشوراء

“نحن أولى بموسى من اليهود”، سنّة نبينا المصطفى، التي قالها حينما وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، إلا أننا اليوم وإذا ما سألنا الجزائريين عن سبب صيام هذا اليوم، يردون بأنهم وجدوا آباءهم يصومونه، إضافة إلى أنها سنة يتبعونها دون معرفة السبب الرئيسي أو الأحداث التاريخية المرتبطة به، إلا القلة منهم، والأهم لديهم هو الاستفادة من عطلة مدفوعة الأجر.

وإن كان الجزائريون لا يولون الاهتمام الكافي لمطالعة التاريخ الإسلامي، لمعرفة سبب صيام هذا اليوم، إلا أنهم لا يغفلون أية مناسبة دينية للاحتفال بها أو إحيائها كل على طريقته.

تشكل الأعياد الدينية لدى سكان ميزاب بولاية غرداية، ومن بينها عيد عاشوراء المصادف للعاشر محرم من السنة الهجرية، مناسبة لإحياء عديد التقاليد المتجذرة المتوارثة التي تحث على التآزر والتضامن وتعزيز أسس التماسك الاجتماعي بين العائلات وسكان القصور السبعة.

وتتحول بذلك قصور وادي ميزاب في مثل هذه المناسبات الدينية إلى فضاءات معبرة عن بعض العادات والمبادرات الخيرية ذات بعد اجتماعي محض والتي تعرف اختفاء تدريجيا ببعض المناطق الحضرية، ويتمثل بعضها الذي ما يزال متداولا وذا أهمية اجتماعية كبيرة في نشاط تنظيف المقابر والفضاءات الجماعية الأخرى كالطرقات والساحات.

حملات تطوع سنوية   

وتشمل هذه المبادرة الاجتماعية المتمثلة في حملات التطوع التي تنظم سنويا في خضم الاحتفالات بعيد عاشوراء بهذه المنطقة العريقة، تنظيف ورفع البقايا والنفايات وكل المواد المرمية التي من شأنها تشويه المحيط البيئي ومن بينها الأكياس والقوارير البلاستيكية، إلى جانب القيام بأعمال اجتثاث الأعشاب الطفيلية عبر المواقع الجنائزية الواقعة بمحيط مدينة غرداية.

وكما جرت العادة لدى سكان المنطقة في مثل هذه الأعياد الدينية التي تكون فرصة لزيارة الأقارب الذين رحلوا من دار الفناء وتجديد جريد النخيل الذابلة التي توضع عادة فوق قبر الهالك، وهي العادة التي يراد منها التعرف على صاحب القبر فضلا على أنها تعطي منظرا بيئيا جديدا للموقع.

“ويعد نشاط التطوع الذي يشكل واحدا من العادات المستوحاة من صميم القيم الأصيلة المتوارثة منذ قرون عديدة، صورة حية لترسيخ قيم التآزر في مقابل ثقافات أجنبية منتشرة تدعو في جوهرها إلى تكريس الفكر المادي وتفضل الفرد عن الجماعة والتي ستظل تهدد مجتمعنا”، حسب ما يرى أحد أعيان قصر بني يزجن الأستاذ أحمد لوح. وأضاف السيد نوح في ذات السياق “نسعى في كل احتفال بيوم عاشوراء إلى ترقية ثقافة المواطنة الفعلية والمسؤولة من خلال مبادرات التضامن في الميدان وتحسيس الشباب بقيمها النبيلة”.

وعشية الاحتفال بعيد عاشوراء أو العاشر من محرم تعيش منطقة ميزاب في أجواء تلفها نفحات روحية وترحم على أرواح الذين التحقوا برحمة الله وعيد للتراحم وتعزيز أواصر الأخوة والتلاحم. وتعتبر عديد العائلات هذه الاحتفالية الروحية مناسبة للمساهمة المادية من خلال إخراج الزكاة التي تعد واحدة من أركان الدين الإسلامي الحنيف التي تمنح للفقراء والمساكين .

ويحمل يوم عاشوراء بعدا اجتماعيا عميقا لدى سكان ميزاب، ويتجلى ذلك في التقاء وتبادل الزيارات العائلية في أجواء حميمية، حيث يعاد إحياء قيم التضامن والتسامح والدفء العائلي حين يلتف الجميع حول بعض الأطباق التقليدية التي تحضر بهذه المناسبة الدينية .

وعادة وكما هو معروف تقليديا يتم في عيد عاشوراء إعداد عدة أطباق محلية من بينها الطبق الذي يعرف باللغة الأمازيغية بـ “إيباون” (فول مغلي في ماء) و “أوشو دوانيو” (طبق كسكسي يحضر بمرق ممزوج بالتمر ومرصع بلحم مجفف وهو عادة ما تبقى من لحم أضحية عيد الأضحى المبارك). وتفرد هذه التقاليد المحلية أيضا مكانة خاصة في عيد عاشوراء للأطفال، حيث تقوم الأمهات عشية هذه المناسبة بوضع مادة “الكحل” في عيون الأطفال والصبايا لتقوية نظرهم.

 

“القشقشة” و”التريدة” زينة المائدة القسنطينية

تتزين المائدة القسنطينية في يوم عاشوراء بـ “القشقشة” أو المعروفة في الوسط الجزائري عامة بـ “التراز”، و هي خليط من المكسرات والشكولاطة والتي يقوم رب البيت بشرائها أياما قبيل حلول يوم عاشوراء لتتزين بها الطاولة القسنطينية، رفقة طبق التريدة أو “شخشوخة الظفر” مع الديك الرومي أو الدجاج.

 

لحم العيد بركة يوم عاشوراء بمناطق الوسط

وإن كانت العائلات القسنطينية تزين طاولتها بالديك الرومي، فإن العديد من العائلات الجزائرية الأخرى، على غرار منطقة الوسط، التي تقوم بحفظ جزء من لحم العيد في الثلاجة لغاية عاشوراء تبركا بهذه المناسبة، وهنا قالت لنا محدثتنا خالتي “نصيرة”، إن العائلات الجزائرية في القديم، كانت تحفظ اللحم الذي يتم تخصيصه ليوم عاشوراء على شكل قديد، أو المعروف لدى البعض بـ “الخليع”، وهو لحم يتم تجفيفه بواسطة الملح، ويترك ليجف لمدة من الزمن، وحين يأتي موعد طبخه، يتم نقعه في الماء لمدة من الوقت، للتخلص من ملوحته، وأضافت أن تطور التكنولوجيا وتواجد الثلاجات جعل العائلات تتخلى عن القيام بتقديد اللحم. وفيما عدا ذلك تقوم العائلات بتحضير الأطباق التقليدية التي يزخر بها المطبخ الجزائري على غرار الكسكسي و التريدة والرشتة، ويتم فيها أيضا التصدق على الفقراء وإحياء وليمة بدعوة الأهل والأقارب وتبادل أطباق المأكولات فيما بين الجيران.

 

فرصة للتقرب من الله عن طريق إخراج الزكاة

ويعتبر البعض عاشوراء يوما يتم فيه التقرب من الله والفقراء عن طريق إخراج الزكاة، أو مثلما يحب الجزائريون تسميتها بـ “العشور” كناية عن نسبة 10 بالمائة من النصاب، فيما عدا ذلك يعتبره البعض يوم عطلة مدفوعة الأجر يتم فيها الصيام تبعا لسنة نبينا الكريم

لمياء. ب