تضطر المرأة في بعض الأحيان للعودة إلى المنزل في وقت متأخر، وهو ما يعرضها للتحرش، وهو ما أكدته غالبية من تحدثنا إليهن، واللواتي أوضحن أيضا أنهن يحاولن قدر المستطاع إنهاء مشاغلهن ومسابقة الزمن مساء خوفا من التعرض للتحرش في تلك الفترة التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وتصبح المرأة عرضة للمضايقات والتحرشات.
ذهنيات مغروسة تساهم في استفحال الظاهرة
يُرجع علماء النفس السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة التحرش بالمرأة خاصة التي تعود متأخرة إلى البيت، إلى الذهنيات المغروسة في مجتمعنا والمتمثلة في أن الرجل مفضل عن المرأة وأن له الحق في القيام بما يريد، وهو ما يدفعه إلى استغلال وضعيته كرجل بما أن كل شيء مسموح له، فإنه يسمح لنفسه بانتهاك حقوق المرأة، وهذا راجع إلى التربية الأسرية وهناك من الأسر من ترسخ هذه الفكرة في أبنائها الذين ينقلون هذه الأخيرة إلى الشارع محاولين تطبيقها على جميع النساء كافة، وهناك بعض الشباب يقولون إن المرأة التي تلبس بطريقة معينة تبحث عن التحرش أو أن البنت التي تمشي على الساعة الفلانية في الشارع الفلاني امرأة غير شريفة، لو كانت ملابس المرأة هي السبب لكان كل الشباب وكل الرجال يتحرشون.
التحرش نتيجة غياب ثقافة مدرسية تركز على السلوك الفردي والجماعي
أكد علماء الاجتماع أن النظرة المجتمعية التي ترى المرأة مجرد جسد، تعد سببا لإبعادها عن المجتمع بدعوى الخوف من التحرش، تؤازرها نظرة مجتمعية أخرى تدّعي حمايتها، وبالتالي يلتبس في هذه القضية الإيجابي بالسلبي، وربما كان هذا الالتباس مسؤولا هو الآخر عن تغييب المرأة وحبسها بالبيت، وقصر دورها داخله،
ويؤكد علماء الاجتماع أن المرأة في حالة ما إذا تخلت عن أبسط حقوقها، فإن هذا سيزيد من درجة قمع حرياتها ويوسع دائرة الممنوعات عليها، ففي الماضي كانت تمنع من الخروج ثم جاء وقت أُلقي عليها اللوم بسبب اللباس، ثم محاسبتها على الوقت وتأخرها خارج المنزل بحجة الخوف عليها، وهنا تكمن عبقرية الرجل في المناورة من خلال تقديم الحجج الإيجابية، حسب علماء الاجتماع، الذين أكدوا أن التحرش جاء أيضا نتيجة غياب ثقافة مدرسية تركز على السلوك الفردي والجماعي، فالدارسون يتلقون دروسا في الرياضيات وفي الأحياء وفي اللغات لكنهم لا يتلقون دروسا في السلوك الحضاري، حيث يتعين اعتماد مناهج دراسية بإمكانها حماية النساء والفتيات من الاعتداءات المتكررة في مواقع الدراسة والنقل والعمل وغيرها، من خلال رسم صور مناسبة للمرأة في ذهن الطفل.
خوف من الفضيحة وتلوث السمعة
تخاف الكثيرات من ضحايا التحرش من الفضيحة وتلوث السمعة، إذ أن أصابع الاتهام ستشير إليها بالدرجة الأولى، لذلك فهي تفتقد الجرأة والشجاعة في التحدث عن معاناتها، فتظل التجربة السلبية راسخة في ذهنها، تاركة ترسبات وآثارا نفسية عميقة، قد لا يحمد عقباها كالخوف والقلق وفقد الثقة بالذات وبالآخرين وشعور بالغضب من الآخرين وأحيانًا شعور بالذنب. والشعور بالذنب هنا يأتي من كون المرأة حين تتعرض للتحرش كثيرا ما تتوجه لنفسها باللوم وأحيانا الاتهام، وهناك آثار تظهر على المدى الطويل وتتمثل فيما نسميه بكرب ما بعد الصدمة، خاصة إذا كان التحرش قد تم في ظروف أحاط بها قدر كبير من الخوف والتهديد للشرف أو للكرامة أو لحياة الضحية وسلامتها، حيث يحدث اضطرابا نفسيا وفيزيولوجيا عند مواجهة شيء يذكّر الضحية بالحدث، ويتم تفادي أي شيء له علاقة بالحدث.
إذا كان التحرش مرضا.. فهل كل رجالنا مرضى؟
هناك من المتحرشين من النوع الذي يستمتع بتجريح المرأة بالكلام الفاحش والمهين لكرامتها وشرفها، حيث يسعده أخذ ما يريده من الطرف الآخر بقدر من العنف والقهر، وهو نموذج مرضي ومضطرب. ولكن التحرش لا يقتصر على هذا النوع من المتحرشين وحسب، بل يمكن أن يقوم به أشخاص عاديون في ظروف تشجعهم على ذلك، بمعنى أنه سلوك عارض في حياة الشخص أو سلوك ارتبط بموقف معين، على عكس التحرش المرضي الذي فيه فرصة تكرار ذلك لأن هنالك دوافع تقف داخل الفرد، وهي ما يدفعه إلى التورط من حين إلى آخر وهو النوع الأخطر الذي لا رادع له سوى القانون.
لمياء. ب