ابسطوا أيديكم أيها المؤمنون بالتوبة والاستغفار، ابسطوها لرحمات الله التي تتنزَّل في الثلث الأخير من الليل، عندما تكون الخلائق قد أخلدت إلى النوم، وهدأت الدنيا، وغارت النجوم، وتفتَّحت أبوابُ السماء لدعوات الداعين، ولاستغفار المذنبين، ولاستغاثات المنكوبين، ولتضرُّعات الذين ظلموا أنفسَهم من الناس أجمعين، أَقبِلوا على الله الكريم، فاسألوه من فضله؛ فهو الذي يقبل مَن عاد إليه، وهو الذي لا تَنفَد خزائنه، ولا يَبْخَل على سائليه، بل يَمُن عليهم بالمغفرة والثواب. ما أشد حاجتنا أيها المؤمنون إلى أن نتخفَّف من الذنوب! فإنها تُثقِل الكاهل، وتُنقِض الظهرَ، فلقد كان السلف الصالح يعتبرون الذنوبَ أخوف من عدوهم.
إن الطريق إلى الله مُمهَّد، والتخلُّص من الأوزار الساعةَ مُيسَّر، أما إذا بلغت الرُّوح الحُلقومَ، وغرغر ابن آدم، فلا قَبُول لتوبة ولا لتضرُّع؛ قال تعالى: ” حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ” المؤمنون: 99، 100. وقال تبارك وتعالى “وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ” النساء: 18. إن التخفُّف يكون بالتوبة النصوح، وإن التخلص من أعباء الذنوب يَحصُل بالاستغفار. إن الذنبَ لَيُورِثُ القلبَ جمودًا وقسوة؛ حتى يصبح أشدَّ قسوة من الحجارة، فلا تَنفتِح مغاليقه لخَشية الله، ولا لعاطفة كريمة من الخير والحنان. إن الناس جميعًا مُعرَّضون أن تَزِلَّ أقدامُهم للوقوع في المعصية، فكل بني آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون، هذا هو مَفرِق الطريق بين الطائع والعاصي.
إن المسلم مُرهَف الحسِّ، رقيق القلب، حاضر الفؤاد، إذا ألمَّت به مُخالفة، وزلَّت القَدمُ به في معصية، فإن الذنب يقضُّ مضجعه ويؤرِّقه، ويُنغِّص عليه شرابَه وطعامه، ولا يزال كذلك، حتى يَغسِل بماء التوبة والاستغفار رِجسَ الذنب؛ قال الله تعالى: ” وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ” آل عمران: 135، 136.