لم تكن أرض خافقي سوى صحراء قاحلة لا توجد بها حياة، فلا ودق يوقظ نومتها ولا رمق ينفض عنها يبسها، فالسبات أسرها حين مخاضها وتركها في ميتة بلا روح، ومذ أن حللت بها مستعمرا، ونعم المستعمر، رفعت راياتي بيضا بكل عرق من عروقي مرحبا وحيثما كان النبض بجسدي مكرما، فاستحالتْ البيداء وإياي خلقا جديدا، إذ بها صار الوجيب جنة غناء نضرة تسلب الألباب وحسبتني فراشة محلقة بين ثنايا الورود أشتم أريجها العطر، ورميت برقع الأحزان يوم مقدمك، وكدت أن أنساه وأنسى وجوده، فعشت والسعادة مدثري والفرح ملبسي، إلا أن تذكرت أن العمر وجب فيه تعاقب نور النهار وحلكة الدجى، فجئتني جيئتك الأخيرة تحمل برقعي بين يديك تذكرني به وأنت تتهادى كالمنية دانيا ومقلتاك مخضلتان بالدمع والعبرات تحبو على خديك تفتش لها عن مستقر، فدفنتها على أناملي وفؤادي يبكي دما، عرفت أنه قد انقضى نهاري ودجن ليلي وليتك أمهلتني زمنا ولو يسيرا، ولكن، هل الموت ينتظر؟، قد كانت ضربتك قاضية، مباغتة فكنت أنت والزمان علي، حملا قد زدت إلى أحمالي بعدما ظننتك ستقاسمني عبء الزمان فها أنت تمارس طقوس غياب لم أقدر فك طلاسمه إلى الآن، ولا حل معادلته حتى اللحظة، فبت أرجو أن أرجع كما عهدت نفسي قبل لقائك وأن أعود إلى سيرتي الأولى التي كان لي عهد بها قبلك، ولكن ليت شعري أن أستطيع إخراجك من جسدي ولو قطعت جميع أوداجي أو سكبت كل دمي من بدني، فلعمري لأنك ساكن بالروح والجسد في آن لا تبرحهما، وسيظل هواك عالقا بالفؤاد إلى أن يبرد جسدي و يتحلل بين حبات الثرى.
بن عمارة مصطفى خالد/ تيارت