استعرض عميد كلية علوم الاعلام والاتصال بـ “جامعة الجزائر 3” أحمد حمدي خلال استضافته في منتدى “الموعد اليومي” وضعية الاعلام في الجزائر في ظل المتغيرات التي يعرفها، حيث تطرق في رده على أسئلة
الصحفيين إلى تطورات العمل الصحفي وصولا إلى الصحافة الإلكترونية والتحديات المرتبطة بها، كما شرّح الخبير الاعلامي بعض المسائل المتعلقة بضعف الاتصال المؤسساتي وعلاقة السلطة بالإعلام في الجزائر.
عاد عميد كلية علوم الاعلام والاتصال بـ “جامعة الجزائر 3” أحمد حمدي في منتدى “الموعد اليومي” إلى ممارسة العمل الصحفي بالجزائر، حيث قال إنها تراجعت من حيث المحتوى ونزعه إلى البحث عن الاثارة، مشددا على ضرورة تكوين الصحفيين في الجانب المهني، معتبرا أن تكوين الصحفيين مثله مثل تكوين الأطباء يحتاج إلى فترة تربصية مدة عام على الأقل من باب أن الجامعة تفتح أبوابها للطالب وتزوده بالقواعد الأساسية للعمل الصحفي مثل فنيات التحرير، طرق إدارة الندوات، دراسات الجمهور … وبالتالي تضعه في الطريق، فإذا كانت له القدرات والمواهب الصحفية ينميها في الميدان، ما يعني -حسبه- أن الأمر يتعلق بالممارسة أكثر من النظري والممارسة الميدانية هي التجسيد الحقيقي للعمل الصحفي، مشددا على أن التربص الميداني بعد التخرج من الجامعة عامل مهم في تكوين الصحفيين.
وبخصوص نزوع الصحف نحو الإثارة وطبيعة القارئ الجزائري، أوضح أن الموضوع يطرح في مجال دراسات الجمهور والجمهور الجزائري لا يشكل استثناء عن غيره في العالم، والصحافة الصفراء موجودة في كل البلدان، وبالتالي ليست ظاهرة حكرا على الجزائر، فالمشكل – يضيف – في صحافة الإثارة بالجزائر ليست الإثارة في حد ذاتها وإنما في تقصّي الحقائق لأن الصحفي يفترض به أن يتحرى صحة المعلومة على الأقل من ثلاثة مصادر.
وأكد في هذا السياق أن أغلب الصحف بالجزائر كسرت قاعدة الدقة في المعلومات، بحيث تجد الصحفي لا يملك معلومة كاملة ومع ذلك يهولها ويضخمها، موضحا أن “مسألة التهويل ترجع إلى الخط التحريري للصحيفة”. وفي المقابل، لفت إلى أن كبرى صحف الإثارة في العالم تلتزم بالتقصي وبالسند، أما في الجزائر فتجد بعض العناوين متخمة بعدد القضايا في المحاكم وهذا – حسبه- ليس في صالح الجريدة لأنه يمس بسمعتها ومصداقيتها.
الصحافة الإلكترونية ستقضي على الصحافة الصفراء ولا تهدد الصحافة الجادة
وحول رأيه في اتجاه الصحافة الإلكترونية للقضاء على الصحافة الورقية، توقع أحمد حمدي أن الصحافة الإلكترونية ستساهم في تحسين مستوى الصحافة الورقية وليس في دفعها إلى الزوال، ويرى المتحدث أن المهددة بالزوال بالصحافة الإلكترونية هي الصحافة الصفراء وليست الجادة، واستند الخبير في الاعلام في توقعاته على تجارب سابقة، حيث أن ظهور السينما لم يقض على المسرح رغم التقديرات المعاكسة آنذاك، وبدوره التلفزيون لم يقض على السينما والشيء نفسه سيحدث بالنسبة للصحافة الورقية بظهور الصحافة الإلكترونية وأكثر من ذلك ستساهم هذه الأخيرة في توسيع انتشارها والترويج لها إلكترونيا عبر عروض واشتراكات، وبالتالي ستزيد من قيمتها.
ويرى ضيف “الموعد اليومي” أن الصحافة الإلكترونية مجال جديد علينا اقتحامه زيادة على ذلك فهو بسيط ومرن وأقل تكلفة، موضحا بشأن مسألة التمويل أن سوق اشهاره في العالم لكنه في الجزائر حديث النشأة لأن المواقع الإلكترونية محدودية القراءة، مشددا على أهمية التحسيس بأهمية الاشهار الإلكتروني، وقد طرحت هذه الإشكالية حتى في مسألة تحويل بعض الصحف الورقية إلى إلكترونية، ونشير هنا إلى أن هذه الأخيرة بإمكانها الحفاظ على مداخيلها السابقة من الإشهار التقليدي وربما تزيد عليها أو تنقص.
الاتصال المؤسساتي بالجزائر يشهد “عرقلة” في سير المعلومة والمؤسسات الجزائرية “لا تبلّغ”
وفي الشق المتعلق بالحديث عن الاتصال المؤسساتي، اعترف عميد كلية الاعلام والاتصال أن الموضوع شائك ومهم في نفس الوقت لأنه يعني المؤسسات والوزارات والإدارات، مشددا على ضرورة ترشيد منظومة الاتصال المؤسساتي. وأشار المتحدث في سياق ذي صلة إلى تسجيل “وجود عرقلة في سير المعلومة” وأن “المؤسسات الجزائرية لا تبلّغ” رغم أن الدستور الجزائري ينص بصفة صريحة وواضحة على حق الجزائريين في الاعلام، وتساءل حمدي: “كيف يمكن تطبيق هذا الحق في مؤسسات لا تملك اتصالا داخليا وخارجيا؟”، معتبرا إياها نقطة ضعف في المؤسسات الجزائرية ومصدر الرداءة الاتصالية.
من هذا المنطلق، رافع عميد كلية الاعلام على ضرورة اصلاح وضعية الاتصال المؤسساتي بالجزائر، مؤكدا أن “كلية الإعلام تملك أكثر من 140 دراسة علمية حول الاتصال المؤسساتي ولسنا بحاجة إلى ملتقيات استعراضية ومهرجانات، ويكفي هذه المؤسسات فقط أن تأخذ التوصيات والخلاصة التي خرج بها الباحثون الأكاديميون وهذا يساهم بقدر كبير في تحسين أدائها الاتصالي”…
دخول الصحف باستمرار إلى المحاكم يسيء إلى سمعتها ويمس مصداقيتها
وبشأن علاقة الإعلام بالسلطة في الجزائر، يرى المتحدث أنه لا يصح إصدار أحكام قطعية وأن الأمر يجب أن يرى من جانب احترافي على أن الصحفي الجزائري لا يملك تراكم الخبرات ولابد أيضا من إدراك أننا لا زلنا لم نخلق تقاليد صحفية كبيرة، ولهذا لا يمكن الجزم بوجود نفور من السلطة في التعامل مع الاعلام الجزائري، وبالتالي أرى أن الأمر يتعلق بضرورة تكوين الصحفيين والصحافة هو المجال الوحيد الذي يكون فيه التكوين مستمرا ومتجددا.
ومن جانب آخر، يفضل أحمد حمدي النظر إلى الممارسة الاعلامية بالجزائر من منظور “المسؤولية الاجتماعية” وفق ما يتناسب مع أخلاقيات المهنة، وبالتالي تكون العلاقة تكاملية كونهما الاثنين (السلطة والاعلام) يخدمان المجتمع، مشددا في نفس الوقت على ضرورة ضبط الميدان وعدم ترك المهنة في أيدي أصحاب المال والأعمال الذين لا علاقة لهم بالإعلام ينتهكون أخلاقياته.
حكيم مسعودي
الصحافة المكتوبة في الجزائر ليست كما نرغب
كشف الخبير في الإعلام وعميد كلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3 الدكتور أحمد حمدي لدى نزوله ضيفا على منتدى “الموعد اليومي”، أن الصحافة المكتوبة في الجزائر تعرف حاليا نوعا من الضعف في المستوى، فهو ليس كما نرغب، يقول نفس المصدر، مشيرا إلى أن الساحة الإعلامية بشكل عام تعرف نقصا في الاحترافية مقارنة مع الفترة السابقة في بداية الاستقلال إلى غاية الثمانينيات، أين كان هناك اهتمام باللغة العربية أو الفرنسية، حيث لم نكن نجد أخطاء في المقالات الصحفية، ما يعني بأن المدقق يقرأ النص ويصحح الأخطاء إن كانت موجودة، سواء في الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية، أما في الوقت الحالي، يشدد المتحدث، لا يوجد لا مدقق ولا مهتم باللغة، ما أدى إلى ضعف في الأداء الصحفي، مبرزا في الوقت ذاته أن اللغة مهمة جدا ومسألة أساسية في عملية الاتصال من جهة.
من جهة أخرى، وفي نفس السياق، ثمّن الدكتور أحمد حمدي الجهود المبذولة من الحكومة لفتح المجال الإعلامي أمام الصحفيين لتكثيف الجرائد والعمل على انتشارها بشكل كبير منذ سنة 1988، معتبرا إياها بالخطوة نحو الأمام وكذا تعديل الدستور
وإدراج القانون الصحفي ومنحه امتيازات كبيرة وحق الصحفي في الوصول إلى الخبر والمعلومة، إلا أن المؤسسة الجزائرية لم تلتزم بتنفيذ ما ورد في الدستور بخصوص منح حق الصحفي في الوصول إلى المعلومة وتقديم كل التسهيلات له لأداء مهمته.
ضرورة إعادة النظر في إعطاء أهمية للإعلام الخارجي
عبر الدكتور أحمد حمدي عميد كلية الاعلام والاتصال عن ارتياحه بما حققته الجزائر من مكاسب في الميدان الإعلامي من تأسيس سلطة الضبط السمعي البصري، إلا أن هناك نقصا كبيرا يجب تداركه عاجلا والمتمثل في ضرورة تأسيس وتنصيب سلطة الضبط للصحافة المكتوبة وضرورة إعادة النظر في إعطاء أهمية للسياسة الخارجية
والإعلام الخارجي مقارنة ببعض الدول العربية كمصر والسودان والسعودية التي كرست أموالا كبيرة لهذا المجال، أما الجزائر فقد اعتمدت على الإعلام المحلي أي الداخلي فقط ولم تكرس اهتماماتها للإعلام الخارجي أي الدولي، فالدبلوماسية الجزائرية ركزت على الاكتفاء الذاتي وهذا خطأ كبير يجب تداركه لأن الحدود أصبحت مخترقة والإعلام والقنوات تصب من كل جهة، بمعنى أن هناك هجوما اعلاميا من كل جهة. ودعا الدكتور أحمد حمدي السلطات إلى العمل على الاندماج في المنظومة الإعلامية الدولية لأن إعلامنا غير دولي، ما أثر على صورة الجزائر الخارجية.
ظهور القنوات الفضائية الجزائرية أعاد التوازن
أكد الدكتور أحمد حمدي أن الإعلام في الجزائر غير مهدد بالاختفاء، فحاليا يتم التفكير في اعتماد 7 قنوات جزائرية، ولكن من الناحية القانونية فهي أجنبية، ترسل من خارج الجزائر، والمفروض أن تبث من داخل الجزائر، إلا أن ظهور هذه القنوات عمل نثمنه وهو مجهود كبير، مشيرا إلى أنه لو نعود إلى الوراء، كان الجزائريون مستسلمين لقنوات فضائية خاصة كالجزيرة وغيرها، أما عند فتح مجال السمعي البصري في الجزائر، أعاد التوازن على الأقل بالنسبة للرأي العام الداخلي وأصبح يهتم بهذه القنوات الفضائية الجزائرية.
حطاب زهير