على امتداد مئة عام.. الفن الرابع في وهران فرجة رسخها المبدعون

على امتداد مئة عام.. الفن الرابع في وهران فرجة رسخها المبدعون

حقق المشهد المسرحي في وهران، الذي يعود تاريخ ظهوره إلى العشرينات من القرن الماضي، نقلة نوعية في الخمسينات عندما بدأت الفرق المسرحية تعتمد التراث الشعبي مع الانفتاح على التقنيات الغربية في البناء الدرامي على يد الراحلين ولد عبد الرحمن كاكي وعبد القادر علولة، حسب ما ذكره الكاتب والناقد المسرحي بوزيان بن عاشور.

ويتجلى هذا النجاح خصوصا في أعمال مسرحية مؤسسة مثل “132 عام” و”إفريقيا قبل الواحد” لولد عبد الرحمن كاكي ابن مدينة مستغانم الذي عرض أعماله في وهران، وثلاثية “القوال” و”الأجواد” و”اللثام” لعبد القادر علولة، الذي وظف الحلقة التي تعتبر موروثا شعبيا فوق الركح، حيث كان لها صدى كبير محليا ووطنيا وعربيا وعالميا.

كان مسرح الحلقة أو “القوال” محطة مهمة في تاريخ المسرح الجهوي لوهران الذي أصبح يحمل اسم صاحب هذه التجربة الفريدة من نوعها، حيث نال الممثل الراحل سيراط بومدين جائزة أحسن أداء رجالي في مسرحية “الأجواد” في مهرجان أيام قرطاج المسرحية بتونس، حسب ما ذكره الأستاذ الجامعي والباحث في المسرح صقال هشام.

وقد استحدثت المؤسسة الثقافية ذاتها لصاحب مسرح الحلقة في مارس الماضي مركزا للموارد المسرحية لعبد القادر علولة (1939 – 1994) الذي يعد مصدر إلهام الشباب الهاوي للفن الرابع باعتباره شخصية فنية شاملة ونادرة، وفق ما ذكره مسؤول المسرح الجهوي مراد سنوسي.

كما ساهم المسرح الجهوي عبد القادر علولة في إمتاع الجمهور بأعمال إبداعية راقية، على غرار “معروض للهوى” للمخرج محمد بختي الذي افتك جائزة أحسن عرض متكامل في مهرجان القاهرة التجريبي بمصر، وفق الباحث صقال الذي يعد أستاذا في قسم الفنون الدرامية بجامعة وهران 1 “أحمد بن بلة”.

وصنعت أعمال أخرى الفرجة للجمهور الذي كان يأتي من كل صوب وحدب لمشاهدة المسرحيات، منها “البلعوط” لبوعلام حجوطي و”حما الكوردوني” لمحمد أدار وكذلك المونولوغ “متزوج في عطلة” لمراد سنوسي وأداء سمير بوعناني وغيرها من الإبداعات التي خلقت الفرجة حتى في محافظات جزائرية أخرى.

وفي مسرح الأطفال أعطت هذه المؤسسة دفعا قويا لهذا النوع من الفنون من خلال مسرحيتي “النحلة” و”البحيرة” وغيرهما من التجارب الفنية الأخرى لجمعية الفن والثقافة والإبداع التي أنتجت “علال وعثمان” و”هاري فاري والألوان”، وكذلك العودة القوية لفن الحكاية الشعبية الذي يسعى أمين ميسوم -الذي تألق في عدة مهرجانات دولية، منها مهرجانات روسيا والهند ولبنان- إلى تطويره، بالإضافة إلى فن مسرح العرائس الذي صنع مجده المخرج سعيد ميسوم.

مع رغبة المسرحيين الشباب في تغيير المشهد المسرحي، اكتسحت موجة عرض الممثل الواحد الساحة المسرحية، وفي تسعينات القرن الماضي شهد المشهد المسرحي بوهران استحداث تعاونيات وجمعيات وفرق خاصة قدمت تجارب فنية راقية من إنتاج مسرحيين معروفين أو هواة ساهموا بإمكانياتهم الخاصة أو بدعم من وزارة الثقافة والفنون في تنشيط الحركة المسرحية. وكانت تعاونية “أول ماي” التي أسسها الراحل عبد القادر علولة النواة الأولى لمسرح مستقل وبعدها “الغمزة” التي كان ينشط فيها المسرحي الراحل محمد حولية والتي قدمت عملها المسرحي “القطار الأخير”، ثم جاءت تعاونية “النقطة” التي أنتجت “القناع” للأخضر منصوري، وفق الباحث صقال.

كما شهدت هذه المرحلة ميلاد فرق مسرحية حرة، منها “ثلاثي الأمجاد” و”بلا حدود” التي أمتعت الجمهور الجزائري، فضلا عن إنشاء جمعيات تعنى بالإنتاج والتدريب المسرحيين على غرار الجمعية الثقافية “الأمل” التي عرضت أكثر من 50 عملا مسرحيا متنوعا وساهمت في تكوين ألفي شاب أصبحوا نجوما في الأداء التمثيلي والإخراج ومنهم من اقتحم الشاشة الكبيرة.

وكان حظ وهران أوفر عندما تم استحداث قسم الفنون الدرامية بجامعة وهران الذي يعزز المشهد المسرحي بمتخرجين تلقوا تعليما في الإخراج والتمثيل وغيرهما من الاختصاصات، ومنهم من قام بإنشاء فرق مسرحية على غرار “ملائكة الخشبة” التي توجت أعمالها بعدة جوائز مما يتطلب مرافقة هؤلاء الشباب، على حد تعبير قواسمي يوسف رئيس جمعية “قطار الفن” التي أسستها هذه الفرقة.

ولإعطاء دفع للحركة المسرحية بوهران وتجاوز الصعوبات الإنتاجية التي تقدمها الدولة واشتراطاتها، بادر القطاع الخاص بخوض تجربة جديدة، وهي الأولى من نوعها على مستوى الوطن وتتمثل في استحداث مسرح “النملة” الذي يسعى إلى “تدعيم الفضاءات الموجودة التي تبقى قليلة بالمقارنة مع الطاقات الإبداعية التي تزخر بها وهران والقامات المسرحية التي أثرت المشهد المسرحي الوطني”، وفق ما ذكره الباحث صقال.

ومع الرغبة المتزايدة للمسرحيين الشباب في الالتحاق بركب التطورات الحاصلة في المشهد المسرحي العالمي، اكتسحت موجة عرض الممثل الواحد الساحة المسرحية، على غرار “الوان مان شو” و”ستاند آب” و “مونودرام”، والتي قدمها روادها على الطريقة الجزائرية مضمونا وشكلا، حسب قول الناقد المسرحي بوزيان بن عاشور.

وأول من سطع نجمه في هذا المجال المسرحي محمد ميهوبي الذي كان أول من أدخل “الموندرام” و”الوان مان شو” بوهران، حيث أنتج أكثر من 20 عملا في هذا اللون المسرحي منها “جزائري وأفتخر” و”ستوب” و”ألو رئيس” و”كوليس”، كما أضاف بلفاضل.

ومن جهتها، قدمت أسماء أخرى تجارب فنية كان لها صدى كبير على المستويين المحلي والوطني في مجال “ستاند آب”، مثل المسرحي محمد يبدري ومحمد خساني وكذلك سمير زموري الذي أضاف إلى المسرح باللغة الأمازيغية لمسته من خلال إدخال مسرح “الكرنفال” وترجمة أعمال مسرحية إلى الأمازيغية.

كما سجل المشهد المسرحي عودة المسرح الصامت (بونتوميم) الذي برز فيه المسرحيان هواري بورا وبلفاضل سيدي محمد، حيث طور هذا الأخير عروض “الشو الهزلي والأغنية الفكاهية” بأسلوبه الخاص، بالإضافة إلى ظهور مسرح الشارع الذي يعيد مجد الحلقة من خلال تجربتي “الناجي” و”أزمة عمل في كورونا” اللتين تؤسسان لعهد جديد قوامه مسرح المدينة، بالإضافة إلى مساهمة فرقة “درول مادير” في نشر فن الارتجال.

وأهم ما يميز المشهد المسرحي في وهران أن العروض لم تتوقف خلال الحجر الذي فرضته السلطات لتطويق جائحة كورونا، حيث لجأت بعض الفرق المسرحية الشابة إلى الأنترنت لتقديم عروض ممتعة كانت بمثابة نفحة أكسجين للجمهور المحب للفن الرابع.

ب/ص