دعوا للنهوض بالساحل عبر الوعي والتنمية

علماء ودعاة دول الساحل الإفريقي يجمعون على ضرورة تبني مقاربة شاملة لمواجهة التطرف وتحقيق التنمية

علماء ودعاة دول الساحل الإفريقي يجمعون على ضرورة تبني مقاربة شاملة لمواجهة التطرف وتحقيق التنمية

في ظل التحديات الأمنية والتنموية التي تواجه منطقة الساحل الإفريقي، احتضنت الجزائر فعاليات الورشة الثامنة عشرة لرابطة علماء ودعاة وأئمة دول الساحل، التي جمعت نخبة من العلماء والمفكرين لمناقشة قضايا الأمن، التطرف، والتنمية في المنطقة.

وافتتح اللقاء، الأمين العام للرابطة السيد لخميسي بزاز، مشددا على دور الرابطة في مواكبة نبض المنطقة، ومعالجة قضاياها الكبرى، انطلاقا من قيمها التاريخية العريقة. وأكد أن الفقر والتخلف، إلى جانب التدخلات الخارجية، تشكل تحديات جسيمة، إلا أن الوعي الجماعي قادر على إسقاط أقنعة المضللين والمساهمة في تحقيق النهضة. وقال بزاز: “إن إرثنا التاريخي المجيد يلهمنا لنواجه التحديات، وعلينا أن نؤمن بأن التغيير ممكن، مستلهمين سنن الله في الكون، كما أشاد باختيار الجزائر مكانا لعقد هذا الملتقى، واصفا إياها بـ”قبلة الثوار وكعبة الأحرار”، ومثمنا جهود الرئيس عبد المجيد تبون في تعزيز السلم والتنمية في المنطقة عبر مشاريع حيوية تدعم الاستقرار.

 

العلماء يدعون إلى مقاربة شمولية لمواجهة التطرف..

وأكد رئيس الرابطة، السيد أبو بكر ولر في كلمته، أن تحقيق الأمن في الساحل لا يمكن فصله عن التنمية المستدامة، محذرا من خطورة التعامل مع الإرهاب والتطرف العنيف من زاوية أمنية بحتة دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تغذي هذه الظواهر. وقال ولر “إن منطقتنا أصبحت ساحة مفتوحة أمام الجماعات المتطرفة بسبب غياب العدالة وضعف التنمية، ولا يمكن كسب المعركة ضد الإرهاب دون تبني مقاربة متكاملة تجعل من التنمية ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار”. وأضاف أن البطالة، انعدام فرص التعليم، ضعف الحوكمة، والشعور بالإقصاء، كلها عوامل تدفع الشباب إلى أحضان الجماعات الإرهابية، مما يستوجب وضع استراتيجية متكاملة تعالج الجذور العميقة للمشكلة، بدل الاكتفاء بالحلول الأمنية الظرفية.

 

الجزائر نموذج رائد في مكافحة الإرهاب بالدبلوماسية الدينية..

من جهتها، أكدت السيدة فطيمة بنت عبد الله الرصاح، منسقة وحدة الاتصال والتنسيق بالرابطة، على أهمية التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، موضحة أن الاستخبارات وحدها لا تكفي للقضاء على الإرهاب، بل يجب تعزيز الفكر الديني الوسطي والمعتدل، وهو الدور الذي تسعى الرابطة إلى القيام به من خلال تنظيم ندوات ودورات تدريبية وورش عمل في دول الساحل. وقالت الرصاح: “يمكنك القضاء على الإرهابي، ولكن لا يمكنك القضاء على الأيديولوجيا إلا من خلال نشر التعليم الديني الصحيح وتعزيز الفهم السليم للإسلام”، مؤكدة أن الجهود الفكرية والعلمية ضرورية لتحصين المجتمعات ضد الفكر المتطرف.

 

المستشار محمد حسوني: التصوف المعتدل حصن روحي ضد الإرهاب

بدوره، شدد السيد محمد حسوني، مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالشؤون الدينية، على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الطرق الصوفية الجزائرية في التصدي للتطرف العنيف، مشيرا إلى أن هذه الطرق، المنتشرة في دول الساحل مثل النيجر، السنغال، موريتانيا، ونيجيريا، تمثل بديلا روحيا للخطاب المتطرف، وتساهم في تعزيز السلم الاجتماعي والاندماج الديني والثقافي في المنطقة. وقال حسوني: “لطالما كانت الجزائر رائدة في تعزيز الأمن والسلم في إفريقيا، والامتداد الروحي للطرق الصوفية هو أحد الحلول الناجعة في محاربة الفكر المتطرف، لأنه يعزز الهوية الإسلامية المعتدلة، ويحمي الشباب من الوقوع في براثن الجماعات الإرهابية”. كما أكد على ضرورة، وضع استراتيجية لتعزيز الدبلوماسية الدينية، وتفعيل دور العلماء والمشايخ في نشر قيم الوسطية والاعتدال، ودراسة تجارب ناجحة في هذا المجال، مثل تجربة الشيخ محمد بن عبد الرحمن في نشر السلام عبر الطرق الصوفية

 

 

ختام الملتقى: توصيات لتعزيز السلم والتنمية في الساحل

واختتم الملتقى، بجملة من التوصيات التي ركزت على تعزيز التعاون بين الدول الإفريقية في مكافحة الإرهاب عبر مقاربة تنموية وأمنية متكاملة وإطلاق برامج تكوين وتدريب للشباب حول التنمية المستدامة لمكافحة البطالة والتهميش. بالإضافة إلى إشراك العلماء والمشايخ في بناء خطاب ديني وسطي يحصن المجتمعات من الفكر المتطرف.

 

لا أمن بلا تنمية ولا تنمية بلا استقرار..

في ختام اللقاء، أكد المشاركون أن تحقيق السلم في الساحل الإفريقي يستوجب نهجا متكاملا يجمع بين الأمن والتنمية والفكر الوسطي، داعين إلى تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة التحديات المشتركة. وبذلك، يبقى التحدي الأكبر أمام دول الساحل هو ترجمة هذه الرؤى والتوصيات إلى سياسات عملية، تقود إلى مستقبل أكثر أمنا واستقرارا لشعوب المنطقة.

محمد بوسلامة