ربما يكون خطر زيادة الكولسترول من الأمور المعروفة عند البالغين، وبالتالي فإن تشخيصه وعلاجه يكون مستحباً وبديهياً خاصة في مرحلة الأربعينات من العمر، ولكن الأمر غير المتوقع هو أن يكون هناك أطفال يعانون من ارتفاع في نسبة الكوليسترول بالدم، مما يمهد لاحقاً للإصابة بأمراض القلب أو الجلطة الدماغية، بل وحتى الموت المبكر. وكلما كان اكتشاف هذه النسبة مبكراً وعلاجها كان ذلك نوعاً من الوقاية الأكيدة للجسم، وذلك تبعاً لأحدث دراسة تناولت أثر تشخيص وعلاج الكوليسترول بشكل مبكر عند الأطفال.
أسباب جينية
كانت الدراسة التي قام بها علماء من جامعة أمستردام بهولندا أوضحت أن العقاقير المخفضة للكوليسترول من عائلة الستاتين يمكن أن تنقذ حياة الأطفال على المدى الطويل من مضاعفات زيادة الكوليسترول. وتعتبر هذه العائلة من الأدوية الأشهر في علاج ارتفاع مستوى الكوليسترول لدى البالغين، نظراً لفاعليتها في الحد من الارتفاع، خاصة الدهون الضارة منخفضة الكثافة LDL. والمعروف أنه كلما انخفض حجم وكثافة جزيئات الكولسترول، استطاعت أن تتسرب من الدم خلال الفتحات الموجودة على جدار الشرايين وتترسب عليها، مما يؤدي إلى تصلبها لاحقاً وتضييق قطرها، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نقص سريان الدم من خلالها إلى أجزاء الجسم المختلفة مثل المخ وتسبب السكتة الدماغية أو القلب وتسبب الذبحة الصدرية.
أشارت الدراسة إلى أن المشكلة تكمن في أن ارتفاع الكولسترول لا يسبب أي أعراض، والتشخيص يعتمد بشكل أساسي على التحاليل المختبرية، وفي الغالب لا يتم طلب إجراء هذه التحاليل بشكل روتيني عند الكشف، حيث إن ارتفاع الكولسترول يعتبر من الأمور غير المألوفة عند الأطفال، ولكن أيضاً لا يعتبر نادراً، إذ تصل نسبة حدوثه إلى واحد في كل 250 طفلاً.
إن أسباب ارتفاع الكوليسترول في الأساس جينية وتبدأ عند الولادة. ونسبة الأطفال الذين يتم تشخيصهم مبكرا لا تزيد على 10 في المائة وعامة الأرقام المرتفعة جداً من نسب الكوليسترول حتى في البالغين تكون جينية ويجب أن يتم قياس نسبة الكوليسترول منخفض الكثافة LDL عند الأطفال في الفترة العمرية من 9 إلى 11 عاماً. وتعتبر زيادة نتيجة للجينات إذا تعدت النسبة 160 مليغراما – ديسيلتر عند الأطفال. وتعتبر النسبة الآمنة والصحية أقل من 100 ملغم – ديسيلتر.
نتائج مشجعة
قام الباحثون بإجراء التجربة على 214 من الأطفال المصابين بارتفاع الكوليسترول لأسباب جينية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي وتجربة عقار الستاتين مقابل عقار وهمي لمدة عامين كاملين. ثم تم استكمال العلاج بالستاتين فقط لمدة 20 عاما وتم عمل متابعة لهم حينما صاروا بالغين في الثلاثينات من العمر، وذلك بعد أن تم علاجهم جميعاً بجرعات متوسطة من العقار. وأدى ذلك إلى انخفاض الدهون منخفضة الكثافة (الضارة) بشكل كبير، وهناك نسبة من المرضى بلغت 20 في المائة قلت مستويات الدهون لديهم إلى المستويات الآمنة (أقل من 100 ملغم – ديسليتر) وتبين أن خطورة إصابتهم بأمراض القلب والموت المبكر قلّت بشكل كبير، وتقريبا تساوت مع أقرانهم الطبيعيين، حيث كانت نسبة الذين عانوا من أمراض القلب ومضاعفاتها هي 1 في المائة فقط بالمقارنة بنسبة 26 في المائة، وهي النسبة المتوقعة للأطفال المصابين بالارتفاع الجيني.
كما لم يتوفِ أي مريض ممن شملتهم الدراسة قبل عمر 39 عاماً مقابل 7 في المائة في السابق، وهو الأمر الذي يعتبر نجاحاً كبيراً جداً في الحد من خطر الوفاة جراء مضاعفات مرض القلب، فضلا عن صحة الشرايين، حيث تم الكشف عليهم بالموجات فوق الصوتية على القلب، وتبين عدم إصابة أي من الشرايين بضيق أو تصلب.
ورغم أن علاج ارتفاع الكوليسترول الجيني يعتبر حلاً فعالاً في الحماية من مضاعفات تصلب الشرايين لاحقاً، فإن الأعراض الجانبية لعقار الستاتين لا بد أن تكون في الحسبان، ومن أهمها زيادة احتمالية حدوث مرض السكري من النوع الثاني الذي بدوره يزيد من احتماليات حدوث أمراض القلب، خاصة أن الأطفال يجب أن يبدأوا في تناول العقار منذ الطفولة ويلازمهم مدى الحياة، وهو الأمر الذي يزيد من فترة التعرض للأعراض الجانبية. ولكن تبعاً للدراسة فإن هناك مريضاً واحداً فقط من الذين تناولوا العقار أصيب بالسكري من النوع الثاني وهي نسبة طبيعية يمكن أن تحدث حتى عند الأصحاء.
وتتمثل أهمية الدراسة في أنها تلفت الأنظار إلى ضرورة الاهتمام بإجراء تحليل للدهون في الأطفال وعدم الخوف من البدء المبكر في أخذ علاج للنسب المرتفعة خاصة أن المتابعة الطويلة لمدة 20 عاما أثبتت مدى الأمان، وبذلك تشجع الكثير من الأطباء لوصف عقار الستاتين للأطفال، حيث كان الخيار الأخير دائماً في السابق. كما أن الجرعات المتوسطة من الدواء لم تسبب أي أعراض جانبية سواء مرض السكري أو تلف في خلايا الكبد طوال فترة العلاج، ويمكن أن تتم متابعة وظائف الكبد باستمرار كل فترة للاطمئنان على صحة الكبد. ويتم التخلص من عقار الستاتين عبر الكبد، مما يمكن أن يؤثر سلباً عليه.
وأوضح الباحثون أنه ليس من المعروف حتى الآن إذا كان من الممكن إضافة عقار آخر لهؤلاء المرضى مستقبلاً من عدمه، في حالة عدم الاستجابة، وأيضاً مع تطورات ظهور حقن للكوليسترول في طور التجريب.
ق. م