الزواج آية من آيات الله العظيمة؛ قال تعالى ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” الروم: 21، فوصف الله المرأة بالسكن؛ لأن السكن يأوي إليه صاحبه ليجد الطمأنينة والراحة، سكنٌ يغض بصره ويُحصن فرجه، والإسلام رغَّب في الزواج وحثَّ عليه؛ قال تعالى: ” وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” النور: 32، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال” يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”. من أجل هذه المصالح وغيرها رغَّب الشرع في الزواج، وحثَّ على تيسيره وتعبيد طريقه، ونهى عن كل ما يقف عقبةً في طريقه أو يعكِّر صفوه. بيد أن هناك مشكلة خطيرة في المجتمع تؤذن بخراب البيوت وفساد الأخلاق، وهي العنوسة، فيتأخر الزواج بسبب أو بدون سبب، عقبات وضعها بعض الناس بتصرفاتهم السيئة، وبما تُمليه عليهم أهواؤهم، حتى أصبح الزواج من أصعب الأمور، بل هو أصعبها، ومن هذه العقبات:
– العضلُ وهو منع المرأة وحرمانها من الزواج بكفئها، وهذا من أعظم أسباب تفشي العنوسة خطرًا، فإذا تقدم شاب كفءٌ يخطب الفتاة منعها وليُّها من الزواج إما طمعًا في مالها، أو لأنه يريد زوجًا آخر يفوقه مالًا أو جاهًا، وقد تُعضَلُ الفتاة بسبب تدخُّل قُصَّار النظر بحجج واهية، ويوم أن يتولَّى السفهاء الزمامَ، تضيع المسؤولية وتفسد الأمور؛ قال صلى الله عليه وسلم “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” رواه الترمذي.
– وسببٌ آخر من أسباب العنوسة لا يقل أهمية عن سابقه، ألا وهو مشكلة غلاء المهور، فبلغت في بعض الأوساط حدًّا خياليًّا لا يطاق إلا بجبال من الديون التي تُثقل كاهل الزوج.
إن المهر وسيلة لا غاية، وإن المغالاة فيه لها آثارٌ سيئة على الأفراد والمجتمعات لا تخفى على العقلاء، وسهولة المهر ويُسره مما يجلب البركة، واليمن والمحبة بين الزوجين؛ قال صلى الله عليه وسلم “إن أعظم النكاح بركةً أيسره مؤونةً”؛ رواه أحمد والبيهقي. وقد أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور، فلما جاءه رجل يسأله، فقال: إني تزوجت امرأة على أربع أواق من الفضة، فقال “على أربع أواق؟! كأنما تنحتون الفضة من عُرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك”؛ رواه مسلم. وقد زوَّج النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا بما معه من القرآن، فقال “هل عندك من شيء تصدقها؟”، قال: ما أجد شيئًا، فقال صلى الله عليه وسلم “التمس ولو خاتمًا من حديد”، فلم يجد، فقال: “أمعك من القرآن شيء؟”، قال: نعم، سورة كذا وكذا وسورة كذا، لسورٍ سمَّاها، فقال “قد زوَّجناكها بما معك من القرآن” رواه البخاري. فاتقوا الله معاشر الأولياء، ويسِّروا أمر الزواج ولا تعسِّروه، واحرصوا على من ترضون دينه وخلقه، وإياكم من الرغبة في المال دون الدين، فالمال عرضٌ زائل وعارية مستردة، والبقاء للدين.
من موقع شبكة الألوكة