-
الجزائر تجدد دعمها الثابت للقضية الفلسطينية
-
موقف مبدئي راسخ من قضية الصحراء الغربية وحق تقرير المصير
-
دعوة جزائرية لإصلاح المنظومة الدولية وإرساء شراكة عادلة بين الشمال والجنوب
شاركت الجزائر، ممثلة بوزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، في أشغال الاجتماع الوزاري الـ19 لحركة عدم الانحياز المنعقد بالعاصمة الأوغندية كمبالا، حيث جدّد الوزير في كلمته، الأربعاء، مواقف الجزائر الثابتة من القضايا الإقليمية والدولية، مؤكدا أن “إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هو السبيل الوحيد والدائم لإنهاء الصراع بين الكيان وفلسطين”، وداعيا في الوقت نفسه إلى “إصلاح المنظومة الدولية” و“إعادة بناء جسور الثقة بين الشمال والجنوب” بما يضمن عدالة واستقرارا دائمين في العلاقات الدولية.
افتتح وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، مشاركته في أشغال الاجتماع الوزاري الـ19 لحركة عدم الانحياز، المنعقد في العاصمة الأوغندية كمبالا، بالتأكيد على موقف الجزائر الثابت من القضية الفلسطينية. وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية التي أشرف عليها رئيس جمهورية أوغندا، يوويري موسيفيني، قال عطاف إن “إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هو السبيل الوحيد والدائم لإنهاء الصراع بين الكيان وفلسطين”، مجددا تمسّك الجزائر بحلّ عادل ونهائي يضع حدا للاحتلال وينهي معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عقود. وأضاف الوزير أنّ الجزائر “تثمّن ما ورد في الوثائق الختامية للاجتماع، خصوصا ما تعلق بالقضية الفلسطينية وبشأن مسألة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة”، معتبرًا أن هذا الموقف الجماعي من حركة عدم الانحياز يُجسّد استمرار التضامن الدولي مع نضال الشعب الفلسطيني العادل من أجل الحرية والاستقلال. وفي سياق كلمته، شدّد عطاف على أن “الشعب الفلسطيني يعيش على أمل معالجة لبّ الصراع وجوهره عبر إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية والتعجيل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة”، مؤكدًا أن هذا الحل هو “السبيل العادل والدائم والنهائي” لإنهاء معاناة الفلسطينيين ووقف دوامة العنف في المنطقة. وعبّر الوزير عن قناعة الجزائر بأن مسار العدالة في القضية الفلسطينية لا يمكن أن يُختزل في هدنة أو مفاوضات ظرفية، بل في تحقيق تطلّع الشعب الفلسطيني إلى دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، قائلاً إن “إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية هو وحده الكفيل بإنهاء الصراع وتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط”. القضية الفلسطينية تعد من أقدم وأعقد القضايا في التاريخ المعاصر، إذ تعود جذور الصراع إلى عام 1948 حين أُعلنت إقامة الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، وما تبعها من تهجيرٍ قسريٍ لمئات الآلاف من الفلسطينيين وتشريدهم في دول الجوار. ومنذ ذلك الحين، تعاقبت الحروب والانتفاضات، وتواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض سيطرته على الأراضي الفلسطينية، في انتهاكٍ صارخٍ لقرارات الشرعية الدولية التي تنص على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. ورغم مرور أكثر من سبعة عقود على بدء النزاع، ما زالت الجهود الأممية والعربية تصطدم بتعنّت الاحتلال وغياب الإرادة الدولية الكافية لفرض حلٍّ عادلٍ وشامل. وتؤكد الجزائر، في كل المحافل، أن القضية الفلسطينية تمثل جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وأن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هي السبيل الوحيد لتحقيق سلامٍ دائمٍ وشامل، مستندة في ذلك إلى قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها وإنهاء الاحتلال.
الجزائر تتشبث بالموقف المبدئي من قضية الصحراء الغربية
بعد تناوله القضية الفلسطينية، انتقل وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف إلى ملف الصحراء الغربية، مؤكدا تمسك الجزائر بموقفها الثابت والداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وقال الوزير في كلمته: “إن الشعب الصحراوي لا يطلب غير تمكينه من ممارسة حقه الشرعي والمشروع في تقرير مصيره وتحديد مستقبله بنفسه دون أي إكراه ودون أي وصاية”، مجددًا بذلك التزام الجزائر بمبادئ الشرعية الدولية واحترام إرادة الشعوب في تقرير مصيرها بحرية وعدالة. وأوضح عطاف أن الموقف الجزائري “يتماهى كلية مع الموقف الثابت والمبدئي لحركة عدم الانحياز إزاء هذه القضية”، وهو الموقف الذي وصفه بـ“الراسخ والمستمد من قرارات الشرعية الدولية والعقيدة الأممية في مجال تصفية الاستعمار”. وشدد على أن الجزائر تُثمن ثبات الحركة على هذا المبدأ، وحرصها على الدفاع عن القضايا العادلة في إفريقيا والعالم. كما ذكّر الوزير، بأن قضية الصحراء الغربية تظل من القضايا الجوهرية التي تشغل الضمير الدولي، مؤكداً أن موقف الجزائر ينبع من التزام مبدئي راسخ بالدفاع عن حق الشعوب في الحرية والاستقلال. وأضاف أن احترام هذا الحق يمثل أحد أعمدة السياسة الخارجية الجزائرية وركيزة أساسية في علاقاتها مع شركائها الإقليميين والدوليين. وتُعدّ قضية الصحراء الغربية واحدة من أقدم النزاعات في القارة الإفريقية، إذ تعود جذورها إلى حوالي 5 عقود حين انسحبت إسبانيا دون استكمال عملية تصفية الاستعمار، لتندلع مواجهة بين جبهة البوليساريو، التي تمثل الشعب الصحراوي وتطالب بالاستقلال، والمغرب الذي ضمّ الإقليم إلى أراضيه. ومنذ ذلك الحين، ظلّت الصحراء الغربية مدرجة على لائحة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، في انتظار تنظيم استفتاء يقرر من خلاله الشعب الصحراوي مصيره، وهو الاستفتاء الذي لم يُجرَ بعد رغم مرور قرابة نصف قرن. وتقود الجزائر، منذ بداية النزاع، موقفا ثابتا يقوم على دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفق قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، رافضة أي حلول تفرض من خارج هذا الإطار. كما دعت في مختلف المحافل الدولية إلى تمكين بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) من أداء مهامها كاملة، بما يضمن حلاً سلمياً وعادلاً للنزاع. ويُعتبر هذا الموقف امتدادًا لنهج الجزائر التاريخي في دعم حركات التحرر، والتزامها بمبدأ تصفية الاستعمار الذي يشكل أحد الأسس الجوهرية لسياستها الخارجية منذ الاستقلال.
حركة عدم الانحياز مطالبة بإعلاء صوتها

كما أكد وزير الدولة, وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية أن حركة عدم الانحياز “مطالبة اليوم بإعلاء صوتها في سبيل تأكيد حتمية تبني نهج جديد للتكفل بالإشكاليات المرتبطة بثنائية الأمن والتنمية”. وقال عطاف أن “روح ومبادئ باندونغ تجد ترجمتها في الشعار الذي اختارته الرئاسة الأوغندية عنوانا لهذا الاجتماع”, مشيرا إلى أن الحركة “مطالبة اليوم بإعلاء صوتها في سبيل تأكيد حتمية تبني نهج جديد للتكفل بالإشكاليات المرتبطة بثنائية الأمن والتنمية”. وأشار في هذا الصدد، إلى أن هذا النهج يجب أن يقوم على “إعادة بناء جسور الثقة بين الشمال والجنوب من خلال شراكات تبنى على المساواة السيادية والاحترام المتبادل والتعاون المثمر في مواجهة أساليب الهيمنة والتبعية والإقصاء وأن يقوم أيضا على إصلاح الاختلالات البنيوية للمنظومة الدولية, بدءا بمجلس الأمن الأممي ومرورا بالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي ووصولا إلى منظمة التجارة العالمية”. كما يجب أن يقوم هذا النهج -يضف وزير الدولة- على “تجسيد كل الالتزامات الدولية المتعلقة بدعم التنمية المستدامة : التزامات تمويل التنمية ومعالجة أزمة المديونية وضمان العدالة المناخية وتعزيز الحوكمة الرشيدة وكذا دعم الابتكار ونقل التكنولوجيا للدول النامية”. وتُعدّ ثنائية الأمن والتنمية من أبرز الإشكاليات التي تواجه العالم المعاصر، خاصة في الدول النامية التي تعاني من ضعف البنى الاقتصادية وتزايد التهديدات الأمنية. فغياب الاستقرار غالبًا ما يؤدي إلى تراجع النمو وتآكل الموارد، في حين أن الفقر والهشاشة الاقتصادية يخلقان بيئات خصبة للصراعات وعدم الاستقرار. ومن هنا جاءت الدعوات المتكررة من قبل دول الجنوب، وفي مقدمتها الجزائر، إلى تبنّي مقاربة شاملة تربط بين تحقيق الأمن وتعزيز التنمية بدل الفصل بينهما. في هذا الإطار، تمثل حركة عدم الانحياز منصة تاريخية للدفاع عن هذا التوجه، إذ أسهمت منذ تأسيسها في مؤتمر باندونغ عام 1955 في بلورة رؤية متكاملة تعتبر التنمية ركيزة للسلام الدائم، وترفض منطق التبعية والهيمنة الاقتصادية. وتأتي دعوة الوزير أحمد عطاف في اجتماع كمبالا لتجديد هذا الالتزام، من خلال طرح رؤية تُعيد بناء الثقة بين الشمال والجنوب عبر شراكات تقوم على المساواة السيادية والتعاون المتبادل، بعيدًا عن الإملاءات السياسية أو الشروط الاقتصادية المجحفة. كما تندرج هذه الدعوة في سياق أوسع من المطالبة بإصلاح المنظومة الدولية التي باتت عاجزة عن تلبية تطلعات الدول النامية، خصوصًا في مجالات التمويل والعدالة المناخية ونقل التكنولوجيا. فالدول الإفريقية ودول الجنوب عمومًا ما زالت تعاني من تبعات الديون والخلل في آليات الدعم الدولي، الأمر الذي يجعل من تبنّي نهجٍ جديد — كما دعا إليه عطاف — ضرورةً لإرساء توازنٍ حقيقيّ في العلاقات الدولية وإعادة توجيه التعاون العالمي نحو تنميةٍ أكثر عدلاً واستدامة. ويُعدّ الاجتماع الوزاري الـ19 لحركة عدم الانحياز، المنعقد في العاصمة الأوغندية كمبالا، محطة أساسية في مسار الحركة التي تضم أكثر من 120 دولة تمثل أغلبية بلدان الجنوب العالمي. ويأتي هذا الاجتماع، الذي يستمر اليوم الخميس، تحت شعار “تعميق التعاون من أجل رخاء عالمي مشترك”، ليُجدد التزام الدول الأعضاء بمبادئ باندونغ التي أرست منذ عام 1955 أسس الحياد الإيجابي، والدفاع عن استقلال القرار الوطني، ورفض منطق الاستقطاب بين القوى الكبرى. ويكتسي هذا الاجتماع، أهمية خاصة بالنظر إلى التحولات الدولية المتسارعة التي يشهدها العالم، سواء من حيث تصاعد الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية، أو عودة مناخ الحرب الباردة بين الشرق والغرب، ما جعل العديد من الدول النامية تبحث عن صوتٍ جماعي يعبر عن مصالحها المشتركة. وفي هذا السياق، تسعى حركة عدم الانحياز إلى استعادة دورها كمنبرٍ جامع لدول الجنوب، يطرح حلولاً بديلة أكثر عدلاً وإنصافًا للنظام الدولي القائم الذي تهيمن عليه القوى الكبرى. كما يمثل اجتماع كمبالا، فرصةً لإعادة تقييم مخرجات قمة عدم الانحياز التي احتضنتها أوغندا مطلع عام 2024، وبحث سُبل تنفيذها على أرض الواقع، لا سيما ما يتعلق بالتعاون في مجالات الأمن، التنمية المستدامة، والحوكمة الاقتصادية. وتؤكد الجزائر، من خلال مشاركتها الوازنة، أن مستقبل الحركة يكمن في تجديد روح التضامن بين دول الجنوب وتعزيز العمل المشترك لمواجهة التحديات المتعاظمة، بدءًا من المديونية والأمن الغذائي، وصولًا إلى العدالة المناخية والإصلاح العادل للمؤسسات المالية الدولية.
م. ع



