الجزائر- قال كاهي مبروك الخبير الامني بأن تحجج فرنسا بأن التجارب النووية التي تم إجراؤها بالجزائر قد تمت في أماكن خالية من السكان وبأنها لا يمكن أن تشكل خطرا على المستقبل، لا تعدو أن تكون أكثر من دعاية على اعتبار أن العالم ما يزال مصطدوما من الآثار التي خلفتها قنبلتي ناغازاكي وهيروشيما.
أكد كاهي مبروك بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية المصادفة لـ 29 أوت من كل سنة بأن التجارب النووية الفرنسية في الجزائر لم يكن لها أي مبرر باعتبار أن الحرب العالمية كانت انتهت بانتصار دول الحلفاء على حساب دول المحور وانضمام فرنسا لحلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وهي دولة نووية، وبالتالي الأمر يسقط كل الحجج والمبررات من وراء سعي الدولة الفرنسية للسلاح النووي وتأمين مستقبلها، لأن الأمر لا يعدو أن يكون سباقا مع الوقت من أجل دخول النادي النووي الذي طالما سعت الدول الكبرى لحصره في نطاق ضيق جدا بالنظر للخطورة التي يمكن أن يشكلها على بقاء الجنس البشري واستمراره على الأرض.
وأوضح المتحدث بأن إجراء التجارب النووية الفرنسية في كل من (رقان) و(جبل إينغر) يمثل أبعد من جريمة ضد الإنسانية والجغرافيا الطبيعية، فهي بالأساس اعتداء على التراث الحضاري والإرث التاريخي لمنطقة (توات) وإقليم (الأهڤار ) اللذين عرفا حضارة تاريخية راقية وجد متقدمة في الوقت الذي كانت باريس مجرد قرية يعيش سكانها على صيد السمك على ضفاف نهر السين، مشددا على أن التجارب النووية الفرنسية طمست معالم حضارية كانت لو بقيت ستثري الرصيد الانساني العالمي الحضاري.
كما أوضح المتحدث بأن جغرافية المنطقة لم تكن صحراء قاحلة كما صورها الاعلام الفرنسي آنذاك ويصورها البعض اليوم، بل كانت تضم تنوعا بيولوجيا ونظاما إيكولوجيا يتماشى مع النمط المناخي السائد في المنطقة وخزانا هائل من المياه الجوفية مسها الاشعاع النووي.
وأضاف المتحدث بأن المؤسف أن هذه التجارب قضت على هذا النظام الإيكولوجي الذي لا يمكن استرجاعه إلا بعد مئات السنين. فالجريمة لا يمكن أن تسقط بالتقادم وهي اعتداء ضد الطبيعة. فالقوانين الدولية تحرم التجارب النووية حتى في الفضاء فما بالك على سطح الأرض ولهذا -يضيف محدثنا- الأمر فيه دلالة ثابتة أن الاستعمار لا يحترم الطبيعة ولا نظامها الايكولوجي والتخريب لا يمس النظم المجتمعية فحسب.
ولفت المتحدث الانتباه لنقطة أخرى عجز الاستعمار الفرنسي عن إخفائها وما تزال قائمة وبالتعبير الأدق شواهد متوارثة شاهدة على بشاعة التجارب النووية الاستعمارية في كل من منطقة (رقان) وجبل (اينغر) وهي إشاعة خلو المنطقة من الساكنة، فالاستعمار الفرنسي أراد الانتقام من كل الشعب الجزائري وإعادة 08 ماي 1945 ثانية، لكن هذه المرة في عمق الجنوب الجزائري لكن أكثر بشاعة وإن كانت الأولى سترها التراب وكفلها التاريخ فإن الثانية أي التجارب النووية عجز التراب عن تغطيتها بل تسمم بها.
وشدد المتحدث بأن الأمر البشع هو أن الاستعمار عمل عن قصد وبكل وقاحة على تعريض حياة الساكنة المحلية لأخطار الإشعاع النووي وتكتمل البشاعة في استغلال براءة الناس وإيهامهم بحدوث أمر مميز مما جعلهم يستعدون لذلك اليوم بملابس نظيفة والتزين وهو في الحقيقة كان يوم لتدمير حياتهم وهي جريمة أخلاقية نكراء ولا تزال الشواهد حية تروي مأساة ذلك اليوم المشؤوم ناهيك من تعليق وربط المساجين وحتى الأبرياء في عوارض قريبة جدا من دائرة الانفجار النووي من أجل رصد الآثار النووية عليهم بالرغم من أن قنبلتي (ناغازاكي) و(هيروشيما) كانتا تغنيان عن مثل هذه التجارب.
وفي السياق ذاته يرى محدثنا بأن ملف التجارب النووية الفرنسية بالجزائر ومعالجته ما يزال يكتنفه الكثير من الغموض لا سيما تعويض الضحايا من الساكنة المحلية وتطهير المنطقة من أخطار الإشعاع النووي ويمكن إرجاع ذلك لعدة أسباب أبرزها عدم وجود طلب رسمي بضرورة تحمل السلطات الفرنسية مسؤوليتها حتى على مستوى الهيئات البرلمانية، الأمر الذي يجعل كل الأصوات المنادية بالتعويض بلا فائدة، والأمر الثاني ضعف منظمات المجتمع المدني في الإشارة إلى هذه التجارب الكارثية سواء محلية أو وطنية بما فيها الأحزاب السياسية والأهم من ذلك كله لا بد من الاستفاذة والاستعانة بالتجربة اليابانية على اعتبار أن الجزائر إحدى ضحايا التجارب النووية ولا بد للعالم من مساعدة الجزائر من أجل احتواء المخلفات النووية وعدم جعل الصراع بين الجزائر وفرنسا أي ثنائيا.