تشير الأرقام المسجلة ببلدنا إلى إصابة العشرات يوميا على مستوى المصالح والمراكز المتخصصة في مجال مختلف الإصابات الناجمة عن الحوادث المنزلية، وتكون نتيجتها في بعض الأحيان حدوث وفيات وعاهات يكون ضحيتها في أغلب الأحيان أطفال صغار السن ممن يتعرضون للحروق ولحوادث أخرى.
دعا المشاركون في الأيام الأولى لطب وجراحة الأطفال، المنظمة مؤخرا بالمستشفى العسكري الجهوي الجامعي الرائد عبد العالي بن بعطوش بقسنطينة، إلى تشجيع الوقاية، من خلال تعزيز التشريع المتعلق بالحوادث المنزلية لدى الطفل لتكفل أفضل بهذا المشكل المرتبط بالصحة العمومية.
أوضح البروفيسور رشيد أوسليم، جراح في طب الأطفال بالمركز الاستشفائي الجامعي لولاية وهران، أن التكفل الطبي بالحوادث المنزلية في أوساط الأطفال يكلف الدولة أموالا باهظة، مشددا على ضرورة تعزيز القوانين والتدابير التنظيمية لتأمين شامل لبيئة الطفل.
ذكر المتحدث ـ على سبيل المثال ـ ضرورة توحيد “سدادات السلامة” الخاصة بالمنتجات السامة والمنظفات، لتفادي الحوادث الناجمة عن ابتلاع المواد الحارقة التي تحتل جزءا كبيرا من مختلف أشكال الحوادث المنزلية المسجلة بالجزائر، وحسب الأخصائي، فإن أغلبية حالات السقوط التي تحدث للأطفال داخل المنازل وفي السلالم والمسابح، يكون سببها عيوب في البناء والهندسة المعمارية، مسلطا الضوء على ضرورة احترام معايير البناء التي تعتبر “أحد أشكال الوقاية التي يتعيّن احترامها”.
هذا، وسلطت الأيام الأولى لطب وجراحة الأطفال التي يطمح لأن تشكل فضاء للتحسيس وتبادل الخبرات، خدمة للصحة العمومية، الضوء على أهمية التربية الفردية والجماعية التي تستهدف تحسين يقظة الأولياء والوعي بالمخاطر، حسب رئيس اللجنة التنظيمية العقيد أحمد حمادة، الذي أكد أن الحوادث المنزلية في أوساط الأطفال تعتبر “مشكلا حقيقيا للصحة العمومية”، مشددا على ضرورة التكفّل المبكر بالحالات من أجل تفادي التعقيدات، داعيا إلى تنظيم حملات تحسيسية ووقائية واسعة لفائدة الأولياء الذين يتعيّن عليهم أن يتحلوا بالوعي بالمخاطر المحيطة بأبنائهم، لأن “ثوان قليلة فقط من الاهمال تفتح الطريق أمام الحوادث”، وبعد أن تحدث عن “زيادة” في عدد الحوادث المنزلية في أوساط الأطفال، أوضح العقيد حمادة أنه أضحى بإمكان الأطفال في الوقت الراهن الحصول أكثر على الألعاب والأجهزة الإلكترونية، مما يعزز حصول الحوادث.
الأطفال يدفعون فاتورة غالية بفعل إهمال الأولياء لهم
على الرغم من كون المنزل البيئة الأكثر أمانا للطفل إلا أنها قد تشكل خطرا كبيرا عليه في حال قلة انتباه الأهل أو إهمالهم لطفلهم، وتزيد تلك المخاطر بازدياد قدرة الطفل على الحركة، و تعتبر الحوادث المنزلية أمرا خطيرا يتوقع حدوثه في أي بيت خاصة بالنسبة للأطفال في كل لحظة أيا كانت أنواعها سواء حوادث بسبب الكهرباء أو الماء أو الأدوات والسائل، وعادة ما تكون الحروق من أبرز الحوادث المنزلية التي قد يتعرض لها الطفل الصغير، وعادة ما تحدث هذه الحروق نتيجة سكب المواد الحارقة الحارة مثل الماء المغلي، القهوة، الشاي، الزيت الحار أو من بعض المواد الكيماوية أو نتيجة التعرض المباشر للنار أو حتى ملامسة الأسطح الساخنة، لذا عادة ما ينصح الأطباء بالابتعاد والإمتناع عن وضع المشروبات الحارة أو المواد الحارقة بمقربة من الأطفال، ومن ذلك لابد من الانتباه لسلك الإبريق الكهربائي في المطبخ ألا يكون متدليا حيث يسهل شده من قبل الطفل، كما لابد من إبعاد الأطفال عن المطبخ أثناء الطهي وخاصة أثناء القلي، وفيما يخص المواد الكيماوية، فيجب حفظها في مكان بعيد عن متناول الأطفال.
الحروق والصدمات الكهربائية أخطر الحوادث وأكثرها التي يتعرض لها الأطفال
أوضحت المختصة في طب الأطفال الدكتورة مرابطين أن أكثر الحوادث التي يتعرض لها الأطفال هي الحروق و الصدمات الكهربائية، مشيرة إلى أن الفئة العمرية المتراوحة ما بين سنة و 4 سنوات هي الفئة الأكثر عرضة لهذه الحوادث المنزلية التي تسجل خاصة بغرف الأطفال وربعها بالمطبخ أو بساحة وحديقة المنزل، وبالإضافة إلى تلك الحوادث المذكورة سلفا، تشير الدكتورة مرابطين إلى سقوط الأطفال وتعرضهم إلى كسور وجروح مختلفة و التي تسببت في 30 بالمائة من الصدمات بالمخ، حيث سجلت عند الأطفال خاصة الذين تقل أعمارهم عن سنة، وأوضحت الدكتورة أن أخطر الحوادث التي يتعرض لها الأطفال هي الحروق الجلدية سواء بسحب أوان منزلية تحتوي على سوائل ساخنة أو اللعب بالكبريت أو مواد سهلة الاشتعال، بالإضافة إلى الصدمات الكهربائية التي غالبا ما تترك أثارا عميقة تصيب الأعضاء الحساسة في الجسم مثل المخ والقلب. وأشارت الدكتورة مرابطين إلى حوادث منزلية أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها يتعرض لها الأطفال مثل ابتلاع أشياء غريبة كالأزرار وغالبا ما تستقر بمسالك الجهاز الهضمي أو تعرض الأطفال إلى اختناقات تودي بوفاة 2 بالمائة خاصة البالغين 3 سنوات. كما تتعرض هذه الفئة إلى حوادث الاختناق بمونوكسيد الكاربون. وأشارت المختصة إلى تعرض الأطفال لأنواع أخرى من الحوادث مثل شرب مواد سامة على سيبل المثال الأدوية ومواد التنظيف، مؤكدة على أن إحصائيات المركز الوطني لمكافحة السموم بباب الوادي التي كشفت عن تسجيل 7000 اتصال هاتفي العام الفارط للتبليغ عن تناول مواد سامة، 90 بالمائة منهم أطفال. وتطرقت المختصة في نفس الإطار إلى الحوادث الناجمة عن الغرق سواء بالحمام بالمنزل أو بالآبار بالوسط الريفي.
الوقاية خير من العلاج
وفي السياق ذاته، وبهدف التحسيس و التوعية بضرورة أخذ الحيطة والحذر، رصدت إذاعة سطيف من مصلحة جراحة الأطفال بمستشفى الأم والطفل بالولاية بعض حالات الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم 9 سنوات تعرضوا للحرق في أنحاء متفرقة من الجسم أمام الندم الشديد الذي لا يمكن وصفه للأمهات والآباء. وفي ذات السياق أبدت إحدى الأمهات الملازمات يوميا ابنها الذي لا يتعدى عمره السنة والنصف بالعناية المركزة لمستشفى الأم والطفل بولاية سطيف، بعد تعرضه لحروق مختلفة في الجسم عن حسرتها الكبيرة وإحساسها بالندم الذي لم يفارقها منذ يوم وقوع الحادثة، خاصة وأن وضعية ابنها الصحية خطيرة. ودعت المتحدثة كل الأولياء إلى التحلي باليقظة والحرص على أبنائهم حتى لا يحدث لهم ما لا يحمد عقباه. هو نفس الحال بالنسبة لأم أخرى بذات المستشفى تعرضت ابنتها التي لا يتجاوز سنها عامين للحرق في منزل إحدى قريباتها، حيث أعربت عن ألمها الكبير لوضعية فلذة كبدها المثيرة للأسى. من جانبها أوضحت الدكتورة سماري سامية إحدى المشرفات على علاج المصابين بمستشفى الأم والطفل بسطيف، أنه يتم استقبال حالات كثيرة من الحروق بدرجات متفاوتة، وقد تكون خطيرة عندما تحدث الإصابة في مناطق حساسة مثل الوجه والعنق.
وأضافت الدكتورة سامية أنه عندما تكون النسبة المئوية للحريق أقل من 10 بالمائة، يكون العلاج في أغلب الحالات فعالا وتزول الآثار، وبالتالي يتماثل المصاب للشفاء، ولكن وفي حال تعدي النسب المئوية لأكثر من 10 بالمائة، فإن إمكانية الشفاء تكون ضئيلة وتصل الحالة إلى الوفاة.
الطب النفسي يؤكد على صعوبة التكفل بالأطفال المصابين بالحروق
هذا، ويختلف التكفل بهذه الاصابات من شخص إلى آخر، خاصة وأن أغلب الحالات تقع وسط حديثي السن، إذ لا تزيد أعمارهم عن تسع سنوات في الغالب مثلما أبرزته الأخصائية النفسانية عصماني التي أشارت إلى صعوبة التكفل النفسي بالأطفال الصغار من قبل المشرفين على رعاية المرضى سواء من ناحية التوعية أو التوجيه وخاصة الوضعية النفسية لمعظم الأمهات اللواتي لا يستطعن تقبل وضعية أولادهن لاسيما إذا كانت خطيرة.
غياب الوعي لدى المواطنين من أهم أسباب زيادة الحوادث المنزلية
أقرت المديرية العامة للحماية المدنية أن من أهم أسباب هذه الحوادث المنزلية تعود بالدرجة الأولى إلى غياب الوعي لدى المواطنين على غرار سوء استخدام أجهزة التدفئة وانعدام التهوية وسوء توصيل أنبوب الغاز بجهاز التدفئة. و في هذا الإطار شددت خلية الاعلام للمديرية على ضرورة اتخاذ المواطن كامل احتياطات السلامة، لا سيما تجنب شراء أجهزة التدفئة المقلدة على اعتبار أنها تتسبب في عدد كبير من حالات الاختناق بالغاز في الجزائر.
لمياء. ب