عزّ الدين القسّام.. استشهادٌ يؤسّس ثورة وعي ومقاومة

عزّ الدين القسّام.. استشهادٌ يؤسّس ثورة وعي ومقاومة

ساعاتٌ من القتال الضاري بين جنود الاستعمار البريطاني الذين قاربوا الأربعمئة وبين عزّ الدين القسام ورفاقه العشرة، في أحراش يعبد (بالقرب من مدينة جنين)، في معركة غير متكافئة وقعت في العشرين من نوفمبر 1935؛ يمرّ عليها، ثمانية وثمانون عاماً بالتمام والكمال؛ لكنها شكّلت لحظة فاصلة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية.

حملت المعركة بُعداً رمزياً بقيادة المجاهد السوري (1882 – 1935)، ابن مدينة جبلة الساحلية، الذي استشهد فيها مع المجاهد المصري محمد عطية حنفي ورفيقهما الفلسطيني يوسف الزيباوي، اللذين ينتميان إلى مئات من المقاتلين قام بتنظيمهم خلال عمله إماماً وخطيباً لمسجد في مدينة حيفا حمل اسم “الاستقلال”.

ألقت سلطات الاستعمار القبض على رفاق القسّام الذين جُرحوا، ومنهم حسن الباير ومحمد يوسف وأحمد عبد الرحمن، وحُكم على كلّ منهم بالسجن نحو أربعة عشر عاماً، في وقت سيتفرّق في فلسطين مئات المقاومين المنتمين إلى “المنظمة الجهادية”، وأطلق عليهم حينها القساميون نسبة إلى قائدهم، وكانوا نواة أول حركة مقاومة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، والذين تزعّموا بدورهم الثورة الكبرى بين عامَي 1936 و1939.

ويعيد الباحثون والدارسون لسيرة القسّام بدايات تنظيمه إلى ثورة البراق مع اندلاع الاشتباكات بين الفلسطينيين والمهاجرين اليهود الذين نظّموا احتفالات دينية في مدينة القدس في أوت 1929 بالتزامن مع المولد النبوي آنذاك، وامتدّت الاشتباكات إلى مدن أخرى لعدة أيام، ثم أتت نتائج التحقيق الذي قام به المستعمر البريطاني وأفضت إلى إعدام أكثر من خمسة وعشرين فلسطينياً ويهودياً واحداً فقط.

منذ تلك اللحظة، انطلق القسّام الذي سكن حيفا بحلول عام 1922، بتنظيم مجموعة قيادية تتولّى الإعداد للجهاد ضدّ الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية، وهو مطلب لم يكن يجد بُعداً وإجماعاً وطنياً فلسطينياً حوله، حيث كانت الأحزاب والقوى السياسية المتشكّلة حينئذ تراوح معظمها بين المطالبة بحكومة فلسطينية تحت الاحتلال وبين وقف هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين وتسليحهم، من دون الذهاب إلى مواجهة مسلّحة مع البريطانيين أو الصهاينة.

لم يتّخذ القائد السوري الذي درس في الأزهر والتحق بالمقاومة السورية ضدّ الفرنسيّين قرابة عامين، قرار الجهاد مباشرة، إذ كان يرى أن جميع الحركات العربية والفلسطينية ينقصها حُسن التنظيم مقارنة بالتشكيلات الصهيونية، قسّم مجموعته الصغيرة التي آمنت بأفكاره إلى وحدة للدعاية والخطابة في المساجد، وثانية لشراء السلاح، وثالثة للتجسُّس على البريطانيّين واليهود وضمّت الموظفين في الدوائر والمصالح الحكومية، ورابعة للاتصالات السياسية الخارجية، وأخيرة للتدريب العسكري.

وأحيط عمل تلك المجموعات بسرية تامة حتى قامت بأولى عملياتها عام 1931، وبدأت السلطات البريطانية منذ ذلك التاريخ مراقبة عمل هذه المجموعات، لكن توزّعها إلى حلقات صغيرة حال دون كشف طبيعة تنظيمها، وهوية قائدها، كما أن العمليات التي أقيمت بين ذلك التاريخ وبين العام الذي استشهد فيه القسّام ظلّت محدودة، بسبب نقص السلاح من جهة وإيمان القسّامين بأهمية الإعداد والتحضير الذي يعني عدم الاستعجال.

وفي ليلة الثاني من نوفمبر 1935، عزم القسام على الخروج للعمل المسلّح العلني ضدّ الاحتلال البريطاني والصهيوني، واستشهد بعد أقل من ثلاثة أسابيع قبل أن يبدأ ثورته التي خطّط لها منذ سنوات. لكن استشهاده مثّل نقطة التحوّل الأبرز إلى المقاومة وحمل السلاح، وفي إحداث إزاحة كبيرة في الوعي الفلسطيني بقضية الاستعمار، أفضت إلى تغيير في البنى الاجتماعية والسياسية بدءاً من الثورة الفلسطينية عام 1936، وصولاً إلى إطلاق المقاومة في الستينيات.