تتواصل العمليات الفلسطينية التي تضرب جيش الاحتلال الصهيوني، في الضفة الغربية، وخاصة تلك التي تنفذها مجموعة “عرين الأسود” العسكرية التي تنشط في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، وفق”صفا”، الاربعاء.
وأعلن جيش الاحتلال مقتل جندي صهيوني متأثرا بإصابته جراء عملية إطلاق النار قرب مستوطنة “شافي شمرون” الواقعة غرب نابلس، واعترفت “عرين الأسود” بمسؤوليتها عن تلك العملية، وأوضحت في بيان لها أنها تأتي ضمن “سلسلة عمليات أيام الغَضب” التي بدأت بتنفيذها لصد العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني.
وتمكن منفذ عملية “شمرون” من الانسحاب من المكان، كما نفذت السبت الماضي عملية إطلاق نار أخرى عن حجز شعفاط، أدت لمقتل مجندة وإصابة جنديين آخرين، في حين لا تزال أجهزة أمن الاحتلال تطارد المنفذين.
و”عرين الأسود”؛ هي مجموعة فلسطينية مسلحة تقاوم الاحتلال بأسلحة خفيفة، تنشط أساسا في مدينة نابلس، استشهد عدد من عناصرها أثناء اشتباكات مع جيش الاحتلال من أبرزهم الشهيد إبراهيم النابلسي، وفي مطلع سبتمبر 2022، ظهرت تلك المجموعة لأول مرة بشكل علني، تحمل بنادق أتوماتيكية.
وأما اختيار اسم “عرين الأسود”، فيرجح أن “العرين” تشير إلى البلدة القديمة في مدينة نابلس التي تحتضن هذه المجموعة من الشبان الفلسطينيين الذي يقاومون الاحتلال حيث أدت عمليات المقاومة وصد العدوان الإسرائيلي التي ساهمت فيها تلك المجموعة إلى مقتل ما يزيد عن 22 جنديا إسرائيليا.
وحول عمل تلك المجموعة المقاومة، أوضح مصدر مقرب منها، أن “مجموعة “عرين الأسود” تخوض مقاومة موحدة وسرية ضد الاحتلال، ولا يتبنون الفصائلية.
وأكد في تصريح خاص لـ”صفا”، أن “عرين الأسود” تتبنى المقاومة المسلحة كخيار وحيد للعمل ضد الاحتلال، بعدما سقط الخيار السلمي المعطل، ويعملون “بنفس موحد ضد الاحتلال تحت شعار؛ وحدة الدم والبندقية، وبوصلتهم تحرير المسجد الأقصى”.
وعن قراءته لظاهرة “عرين الأسود” التي تنشط في نابلس بشكل أساس، وأوضح الكاتب عصام شاور، أن ” تصاعد المواجهات ومحاولات جيش الاحتلال التصدي للمقاومة في الضفة مرتبط بمعركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة في غزة من أجل صد العدوان الإسرائيلي عن القدس وغزة أيضا، لأن الاحتلال بات يخشى من تدخل غزة”.
وذكر في حديثه لـ”صفا”، أن “ما يميز المقاومة في نابلس، أنه لا يظهر تنظيم ما يقود المقاومة ضد الاحتلال وصد عدوانه على شعبنا، وهذه المجموعات من الواضح أنها لا ترتبط بقرارات فصائلية عليا؛ توقف أو تعمل، وهي تعمل بحسب التطورات الميدانية واستمرار عدوان الاحتلال على الشعب الفلسطيني”.
ونوه شاور، إلى أن “اقتحامات المستوطنين لقبر يوسف، كانت في السابق تمر بشكل عادي، أما اليوم فلا، وهذه المجموعات أصبحت لا تتركز في مكان واحد بل تنشر في المدينة (نابلس)”، لافتا أن “العمل يتم ربما بأشكال فردية أو وفق عمل منظم غير معروف حتى الآن، ولكن مقاومتهم للاحتلال في تصاعد مستمر”.
وأكد أن “الاحتلال يشعر بالقلق من هذه المجموعات التي أربكت نشاطه في الضفة، حيث تراجع مؤخرا عن استخدام المسيّرات في اغتيال نشطاء المقاومة في الضفة الغربية خشية تدخل غزة، وهذا إلى حدا ما كبل تحركات جيش الاحتلال في مدن الضفة، وفي جانب الفلسطيني، منح المقاومة مساحة أوسع للعمل والرد على جرائم الاحتلال المستمرة في مختلف المدن الفلسطينية”.
وفي ندوة عقدت مؤخرا، تحدث هاني المصري، الخبير السياسي ومدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات”، عن الأسباب والسياقات التي أدت لظاهرة المقاومة في شمال الضفة الغربية وأخذت عنوان “كتيبة جنين” و”عرين الأسود” في نابلس.
وعن أسباب ظاهرة المقاومة في شمال الضفة الغربية، أوضح في مداخلته التي وصلت “صفا” أنها “زرعت بذور وبوادر هذه الظاهرة العام الماضي، بعد هبات وموجات الانتفاضة في القدس وبقية الضفة الغربية، التي امتدت إلى الداخل الفلسطيني، وساهمت في اندلاع معركة “سيف القدس”، والعملية الإبداعية التي تجلت في نفق الحرية”.
ونوه إلى أن “هذه الظاهرة تبلورت بصورتها الحالية في هذا العام، وتحديدا بعد عمليات المقاومة التي شهدتها الضفة وأراضي 48، وأدت لمقتل نحو 20 إسرائيليا، وكل هذه الأسباب والعوامل رفعت معنويات الشعب الفلسطيني، وأعادت الثقة بصفوفه، وأدّت إلى زج المزيد من الشباب في صفوف المقاومة”.
ومما ساهم في ميلاد هذه الظاهرة “زيادة التطرف الإسرائيلي، وتصاعد العدوان بكل أشكاله، بما في ذلك تصعيد العدوان العسكري، كما حدث في الاقتحامات اليومية للمناطق الفلسطينية”، بحسب المصري الذي لفت إلى أن “التطورات الإقليمية والدولية الحاصلة، أدت دورا في تأجيج الصراع، خصوصا الحرب الأوكرانية وتداعياتها، والسباق بين الحرب والسلام في ملفات عدة”.
ونبه إلى أن “إسرائيل تحاول توظيف ما يحدث وانشغال العالم، وتسعى لفرض المزيد من الحقائق على الأرض في فلسطين؛ لكي يكون الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليا، كما تحاول المضي في مسلسل التطبيع والتتبيع بهدف تهميش القضية الفلسطينية، لتنفيذ هدفها الأكبر، وهو تصفية القضية من مختلف أبعادها”.
ولفت أن ظاهرة المقاومة في شمال الضفة، “توسعت بسبب زيادة اعتمادها على وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أطلق عليها بعض الأوساط الإسرائيلية “انتفاضة التيك توك”، وهو سلاح ذو حدين، مضر أمنيا؛ إذ يسهل ملاحقة المقاومين، ومفيد للتعبئة والانتشار السريع والحشد والإعلام، كما حصل الخميس الماضي، حين دعت عرين الأسود إلى إشعال الإطارات في المناطق حول قبر يوسف لمنع اقتحام المستوطنين وقوات الاحتلال؛ حيث لبت أعداد كبيرة النداء.
وتابع: “على الرغم من العفوية، فإن درجة لا بأس بها من الوعي والتنظيم ظهرت من خلال اعتبار عرين الأسود أنهم يمثلون جيل التضحية، لذلك يقاومون حتى الشهادة، ومؤمنون بظهور جيل الإعداد بعدهم، ثم جيل التحرير، ويرحبون بالمساعدات من الفصائل، والتغطية التي تقدمها لهم، خصوصا حركتي حماس والجهاد، ولكنهم حرصوا على تمييز أنفسهم عن الفصائل من خلال عدم تغطية جثامين الشهداء برايات فصائلية”.