أنوار من جامع الجزائر

عبر من قصة ابراهيم مع ابنه اسماعيل عليهما السلام – الجزء الأول-

عبر من قصة ابراهيم مع ابنه اسماعيل عليهما السلام – الجزء الأول-

لقد أكرمَنا اللهُ تعالى بأفضل أيام السنَة -أيام العشْر من ذي الحجة الحَرَام-، فتَنَسَّمْنَا بركَاتهَا، ثُم جاءَ يومُ عرفةَ يوْمُ وتْرهَا؛ الذي أقسمَ اللهُ تعالَى به فقَالَ: “والشَّفْع والوَتْر” الفجر: 3، فوقف الحجَّاجُ بصَعيده أَمْس شغثًا غُبرًا، فهنيئًا لهُمُ الوقفَةُ العظيمَةُ، ومبارَكٌ عليهمْ مباهاةُ الله عز وَجَل بهمْ أهلَ السمَاء قائلًا: “انظُرُوا إلى عبادي جاءُوني شُعْثًا غُبْرًا ضاحينَ، جاؤُوا من كل فَجٍّ عميقٍ، يرجُونَ رحمَتِي ولمْ يروْا عذابِي، فلمْ يُرَ يوْمٌ أكثرَ عِتْقًا من النَّار من يومِ عرفة”  رواهُ ابن حبَّان بإسنادٍ صحيحٍ عن جَابِر-، وأما نحنُ المُوَحدينَ ممنْ لم تُدَونْ أسماؤُنا في سجل الحَجيج فقدْ صُمْنا نهَارَه، محتسبينَ مغفرَةَ ذنُوب سنتَيْن، فاللهُم تقبلْ منا صوَمُه، ومنَ الحَجيج وقفتَهُم، وأعتقْ رقابنَا جميعًا من نَار السمُوم يومَ القيَامَة. ثُم أتَمَّ الله علينا النعْمةَ السابغَةَ والفرْحَةَ العَارمَةَ في ختام عشر ذي الحجة بيوْم النحْر الأَكْبَر، مجتمعًا بيوْم الجُمَعة، لتعظُمَ المِنَّةُ، فابتدَأْناهُ بالتسْبيح والصلَاة، ثُم نَحْر أُضحيَة العيد، تأَسِّيًا بخَليل الرحْمَن عليه السلامُ، الذي خَلَّدَ الوحْيُ الكريمُ ملحَمَتَه معَ ابْنه إسمَاعيلَ عليه السلامُ. إنَّ من أعظَم مقَاصد هذَا الابتلَاء الجَسيم، سؤالًا يطرحهُ العالمُون المتدبرُون في آيات الذكْر الحَكيم:  أيُّ نفْس هَذه التي ترضَى بأن تضَحيَ بفلذَة كَبدهَا على كبَر من العُمُر؟، وأَي نفْس تَقْبَلُ بأَنْ تُزْهَقَ برضىً وتسليم مُطْلَقَين؟، والجَوابُ الواضحُ عنهُ: إنهُ صدْقُ الإيمَان وقوةُ اليَقين وصَريحُ التوَكل، ولَمَّا عَلمَ اللهُ منهمَا صدقَ العزْم أنزلَ فرَجَه بعَبْدَيه المُسْلمَين، ففدَى إسماعيلَ عليه السلامُ بذبْح من الجَنة عظيم، ورفعَ مكانتهُمَا في العَالمينَ، وبَشرَ الأبَ بإسحاقَ نبيئًا من الصالحينَ، وأعلَى ذكرهُم أجمعينَ، وجعلَ شجرتهُم شجرةً مباركَةً طيبةً إلى يوْم يُبْعَثُونَ. أمةَ التَّضحية: إذا كانَ إبراهيمُ عليه السلامُ يُضَحِّي بفلذَة كبده ابتغَاءَ مرضَاة الله، وإذا كانَ إسماعيلُ عليْه السلامُ يهَبُ نفسَه طاعَةً لله، وتنفيذًا لأمْره، أفليسَ حقيقًا بنا نحنُ المسلمينَ أن نقْتَديَ بهدْي هَذين النبييْن فنهذبَ شهَوَاتنا، ونُضَحيَ بنزوَاتنا، ونَكْبَحَ رغبَاتنَا في أخْذ ما ليسَ لنا، ابتغَاء وجْه الله؟، أوليسَ وازعُ الدين، ومراقبةُ رَب العَالمينَ هو الدافعَ والمحركَ لإبراهيمَ وإسماعيلَ عليهمَا السلامُ على التسَامي فوقَ حُظُوظ النفْس ومَحْبُوبَاتهَا؟.

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر