إن الله عز وجل جعل خليله إبراهيم عليه السلام قدوة حسنة، فأمر المؤمنين بالاقتداء به وبأفعاله، فقال الله تعالى: ” قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ “الممتحنة: 4. بعث الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام للدعوة إلى الله تعالى، فكانت الخطوة الأولى هي دعوة أقرب الناس إليه، وهو أبوه آزر، وهذا من باب التدرج في الدعوة، فـ”كانت أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام؛ لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له. والخطوة الثانية هي دعوته لقومه، وهي خطوة جمعت بين أبيه وقومه، وقد بذل إبراهيم عليه السلام جهده في دعوة أبيه وقومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، “كانت المحطة الثانية لنبي الله إبراهيم عليه السلام بعد دعوته لأبيه، هي انتقاله إلى قومه، ليدعوهم إلى التخلي عن الكفر، وترك عبادة الأصنام والإيمان بالله وحده، وكان أبوه من جملةِ المدعوين.
واتسمت دعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام لأبيه، بالرفق، واللين، وحسن اختيار الكلمات التي تخاطب القلوب، وتطيب النفوس مع بلاغة في الحجة، وقوة في البرهان؛ قال الله تعالى: ” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ” مريم: 41، 42. فدعوة إبراهيم الخليل عليه السلام لأبيه اشتملت على “النصح، والرفق، واللين، ومحبة الخير، وإقامة الحجة؛ لينقذه من عذاب الله تعالى، ومن الضلال إلى الهدى. والبر بالوالدين من أوجب الحقوق، فمن أهم ما يجب أن يحرص المربي عليه هو تعريف الولد بحق والديه عليه، وذلك ببرِّهما وطاعتهما والإحسان إليهما، والقيام بخدمتهما، ورعاية شيخوختهما، والمدقق في حوار إبراهيم عليه السلام لأبيه، يجد أنه تكرر حرف النداء أربع مرات، وهو تعبير يدل على اللين والتلطف والتحبب، والتكرار يدل على مكانة الأبوة وعِظَم قدرها، ووجوب وضعها في مكانها اللائق بها، ومما ينبغي على الداعية إلى الله تعالى أن يكون “قدوة حسنة مهما كان الوضع على الجانب الآخر، وهو الدرس البارز في موقف نبي الله إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه، فالكتب تعلِّمنا كيف نفكِّر، ولكن القدوة تعلمنا كيف نعمل، وما أوسع المسافة بين المدارسة والممارسة، وبين النظرية والتطبيق.