عبادة القلوب.. فضائل وأجور

عبادة القلوب.. فضائل وأجور

إن الأعمال القلبية لها منزلة وقدر وجلالة ومكانة عظيمة في الدين؛ فهي – في الجملة – أعظم من أعمال الجوارح، فقلوبنا إذا صلحت صلحت أعمالنا، وصلحت أحوالنا، وسهلت كثيرًا من مشكلاتنا، وإذا فسدت هذه القلوب فسدت أعمالنا، واضطربت أحوالنا، فالقلب هو العضو المسؤول عن التأثير والاستجابة الشعورية في جسم الإنسان، وربما قيل له “قلب”؛ لكثرة تقلبه؛ فهو كثير التقلب بالخواطر والواردات والأفكار والعقائد، يتقلب من هدًى إلى ضلالة، ومن إيمان إلى كفر أو نفاق؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يُكْثِر من قول: “يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك” رواه الترمذي. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم” وهي محطُّ نظر الرب جل في علاه إلى هذا القلب؛ قال تعالى ” إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” الشعراء: 89. كما أن لذة العبادة والطمأنينة فيها والأنس فيها، وقرة العين وراحة النفس وانشراح الصدر لا تكون إلا بتحقيق أعمال القلوب، والتي هي روح أعمال الجوارح، وبالروح تكون اللذة والطمأنينة والأنس، وإن فارقتها، فأعمال الجوارح موات لا روح فيها ولا لذة ولا طمأنينة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سبعةٌ يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه” متفق عليه. من هذا؟ وماذا فعل في الدنيا؟ إنه قد يكون شخصًا عاديًّا بسيطًا، ولكنه إنسان حدث له موقف في حياته، جعله ينضم مع السبعة الأنواع الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ما هذه الأعمال التي أوصلتهم إلى هذا النعيم والفضل الرباني؟ إنها أعمال القلوب بالدرجة الأولى، إنهم أصحاب العقيدة الصادقة، والنفوس الزكية، راقبوا الله في سرهم وعلانيتهم الذين يبتعدون عن ارتكاب المعاصي؛ خوفًا ورهبة من خالقهم.

– فالإمام العادل نُصِّب ليرعى مصالح المسلمين، فسار بهم بالقسطاس المستقيم، وانتصف للمظلوم، ومهد سبل إقامة الدين ومعرفة حدوده؛ فكانت مراقبة الله عز وجل نُصب عينيه في رعاية مصالح المسلمين؛ فأمِنَ الناس في غدوهم ورواحهم على أنفسهم وأموالهم.

– وثانيهم: شاب امتلأ قوة ونشاطًا، واكتمل قوة ونموًّا، فلازم عبادة الله ومراقبته في سره وجهره، ولم تغلبه الشهوة، ولم تخضعه لطاعتها دوافع الهوى والطيش.

– وثالثهم: رجل خلا إلى نفسه فذكر عظمة ربه، وقوة سلطانه، ورحمته على عباده، وجزيل إحسانه، فاغرورقت عيناه بالدموع، وفاضتا من خشية الله، رجاء في ثوابه وغفرانه.

– ورابعهم: من حُبِّبت إليه المساجد، فيظل متعلقًا بها، يُهرع إليها أوقات الصلاة، يتضرع إلى الله فيها، متجافيًا عن حب الدنيا وانشغاله بها، ولكن تعلق قلبه ببيوت الله؛ محبة لله ورسوله؛ فهي بيوت الله، ومجتمع المسلمين.

– وخامسهم: رجلان تمكنت بينهما أواصر المحبة الصادقة الخالصة لله من شوائب النفاق وابتغاء النفع، سرُّهما طاعة الله، وجهرهما في مرضاته، تجمعهما رابطة الدين والمحبة.

وسادسهم: رجل دعته امرأة إلى منكر، اجتمعت لديها كل دواعي الفجور والعصيان من جمال ومال، ولكن هذا الرجل زجرها، وذكَّرها بقوة الله وشدة بطشه، وأن خوفه من الله تعالى يمنعه عصيانه.

وسابعهم: رجل ينفق في سبيل الله لا يبتغي من الناس جزاء ولا شكورًا، بل ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى، والطمع ورجاء الثواب من خالقه، فكان الإخلاص والبعد عن الرياء والسمعة حتى يكاد من كثرة إخفاء الصدقة لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

 

من موقع الألوكة