في جلسة حميمة بصالون منزله الذي غلب عليه الطابع العمراني لمدينة القصبة العتيقة، وحول صينية الشاي المرفوقة بخبز الباي التقليدي الذي فاح أريجه وانتشر عبقه في مختلف زوايا وثنايا البيت، حدثني العميد
والمؤرخ عمي عمر حاشي عن صاحبه المرحوم ساجي عمر، حديثا امتزج بروائح التاريخ والبطولة وشهامة الجزائري التي لا تموت بموته، فاستحضر عمي عمر شريط الذكريات في محاولة رائعة لرسم الصورة واستنطاق الماضي، وأضاف لحديثه ذاك شهادة حول رفيقه مكتوبة بخط يد ابنته تحاول تلخيص سيرة والدها القائد الكشفي والمجاهد الوطني فاستلهمت من تلك الشهادة المدونة سيرة الرجل واجتهدت في تحويلها إلى هذا المقال.
ولد ساجي عمر بن محمد بن حمود المدعو عبد القادر في الرابع من مارس سنة 1927 في حي القصبة العريق، أين ترعرع في كنفها وشب على معاني الوطنية والوحدة التي ميزت أزقة الحي المليئة بالذكريات، بدأ دراسته بمدرسة الشبيبة الإسلامية الجزائرية أين تحصل على شهادة التعليم الابتدائي ليلتحق بعدها بالتنظيم الفتي الكشافة الإسلامية الجزائرية عبر بوابة فوج القطب ثم كعضو في فوج الإصلاح الذي تأسس سنة 1942، وبعدما أظهر براعة وتميزا كبيرا في التسيير والتأطير، عيّن محافظا محليا للفوج سنة 1946 خلافا للقائد الكشفي أحمد بريك الذي أخذ على عاتقه مسؤولية الفوج الكشفي الحديث النشأة الشهاب والذي كان مقره بالمسمكة بالعاصمة بالقرب من مقر فوج القطب، أما عمله فقد التحق به وهو بسن السادسة عشر بشركة “باسطوس” للتبغ بالعاصمة اين عمل بها ليوفر لقمة العيش ويساعد أهله الذين عايشوا ويلات الاستعمار وأثقل الإملاق صفوهم فتربت في نفسه غريزة الانتقام وكراهية المستدمر الفرنسي، حيث وككل الجزائريين يومها كان ممن لبوا نداء الثورة وقدموا أروع الصور في سبيل إعلاء راية الوطن خفاقة في سمائنا. تقول ابنة عمي عمر في شهادتها المكتوبة “في الفاتح من شهر ماي سنة 1946 عانق والدي عهد الكشافة الذي دونه في أعماق صدره وعمل به طيلة حياته حيث أقسم وعاهد قائلا: أعاهد بشرفي أن أبذل قصارى جهدي في أن أكون مخلصا لله والوطن وأن أساعد الناس في كل حين وأن أعمل بقانون الكشاف “. لقد مّجد القائد عمر قانون الكشاف وغرسه في عائلته وأولاده حيث علّمهم معنى الإخلاص لله وللوطن وللوالدين وللمسؤولين، كما زرع فيهم مبدأ مّد يد العون وأن يكون المرء نافعا وصديقا للناس جميعا وأن يكون عطوفا على الضعفاء حميد السجايا … هي قيم وروح مستلهمة من قانون الكشاف حاول الوالد عمر زرعها وغرسها في عائلته لتفي بها ابنته بعد مرور سنوات وتعيد صياغتها وهي تحاول تقصي ذكرى والدها الذي إن غاب في الثرى، فلن تغيب ذكراه عنا وعن كل من عايشه. شارك ساجي عمر في مختلف التجمعات الكشفية والجومبوريات المنظمة سنوات الخمسينات كجومبوري باريس سنة 1947 وحضر جل المؤتمرات كمؤتمر 1954 ومؤتمر الاستقلال 1962 وكذا مؤتمر الانبعاث سنة 1989 كما تقلد مسؤولية القائد الوطني المساعد لوحدة الكشاف رفقة جيلالي يوسف فكان حقا وفيا لكل ما له صلة بالتكشيف الأصيل محبا لمبادئها ومخلصا لها. في الحادي عشر من شهر فيفري سنة 1996 وبقلب العاصمة تلقت الأسرة الكشفية ومحبو السي عمر نبأ انتقاله إلى الرفيق الأعلى تاركا وراءه رصيدا نضاليا وتاريخا كشفيا مكتوبا بماء من ذهب ووصية لكل من عرفوه بأن يكون المرء وفيا لعهد الكشاف وقانونه، فرحم الله الفقيد وجعل مثواه جنة الفردوس.



