من ربوع بلادي

عاصمة التيطري ومدينة الشلالات, المدية.. مهد الحضارات ونبراس الأصالة

عاصمة التيطري ومدينة الشلالات, المدية.. مهد الحضارات ونبراس الأصالة

المدية هي الولاية رقم 26، تقع في الأطلس التلي على بعد 90 كلم تقريبا جنوب الجزائر العاصمة، يمر عليها الطريق الوطني رقم 01 الذي يعتبر العمود الفقري لشبكة الطرق الوطنية الرابط بين مناطق الشمال والجنوب، وتتربع على مساحة قدرها 8.700 كلم_ تقريبا وترتفع بـ 900 م عن سطح البحر.

 

عهد الرومان.. وبداية الوجود

يعتقد المؤرخون أن ولاية المدية لم تكن موجودة قبل القرن الأول الميلادي، أي في عهد موريطانية القيصرية التي تميزت ببروز يوبا الثاني فيما بعد ظهور القديس أوغسطينوس، كما يبدو أن المدينة لم تكن موجودة في العهد الفينيقي المبكر أو البوني أي ما بين القرن العاشر ق.م حتى سقوط قرطاجنة في 146 ق.م وذلك لأن المؤرخين لم يعثروا على أي دليل مادي أثري يبين أن لمبدية كما كانت تدعى في العهد الروماني كان لها وجود في عهد أبعد من ذلك.

يبدأ تاريخ المدينة مع الرومان، إذ دلت الحفريات على وجود المدينة الرومانية التي كانت تسمى مديكس، بالقرب من الموقع الحالي للمدينة. ومرت المدينة بعدها بفترة مجهولة رغم كونها محطة مهمة على الطريق الرابط بين جهتي الشرق والغرب في شمال إفريقيا، وكانت تعتبر من أهم الولايات المصدرة لمادة الأفيون.

 

الأتراك.. والعهد الجديد

عاشت مدينة المدية حالة من العزلة والخراب والنسيان حتى دخلها الأتراك من جديد وأعادوا إعمارها وجعلوها قاعدة مهمة لهم، وأسكنوا فيها قبائلهم وعشائرهم التركية وحولوها إلى مدينة تركية مثل مدنهم التركية في الأناضول وبنوا فيها القصور والحمامات والسور التركي الذي ما يزال قائما إلى يومنا هذا واتخذوا منها عاصمة لبيليك التيطري، كما سكنها المسلمون اللاجئون من الأندلس ومعهم اليهود الذين فروا من مذابح الصليبيين في الأندلس آنذاك. بدأت المدينة عهدا جديدا مع قدوم الأتراك وإنشاء إيالة الجزائر. قسم حسان باشا البلاد إلى ثلاث مناطق وجعل المدية عاصمة بايلك التيطري في الوسط. وعين أول باي للمنطقة سنة 1547 م.

 

الزوايا والأضرحة بالمدية معالم دينية قيّمة

تنتشر بولاية المدية العديد من الزوايا والأضرحة التي تعد معالم دينية قيمة، إلى جانب أهدافها الدينية والاجتماعية وتعليم القرآن، منها زاوية الشيخ المحجوب ببلدية المدية

وتعتبر من أقدم زوايا المنطقة لمؤسسها الشيخ الحاج المحجوب بن سيد أحمد الزروق الغربي، زواية سيدي الصحراوي بمدينة المدية التي تأسست سنة 1797م، زواية مسجد بوحمامة العتيق لبلدية العيساوية الذي أسس في القرن الخامس عشر من طرف الأقلية المسلمة المطرودة من الأندلس، زواية الشيخ الهادي بن عيسى بوزرة التي أسست سنة 1788م. كما شهدت الفترة العثمانية ظهور عدد من الزوايا منها زاوية سيدي علي ببن شيكاو، سيدي أحمد بن منصور بتيزي مهدي، سيدي يعقوب بوامري، سيدي أحمد الخيذر بشنيقل، زواية الشيخ سيدي علي البعاج بأولاد عنتر وزاوية الشيخ ميسوم بقصر البخاري، زاوية المسجد ببلدية جواب، ويوجد العديد من أضرحة الأولياء الصالحين التي تعد مزارات طاهرة، منها ضريح سيدي الصحراوي، سيدي سليمان ببني سليمان، سيدي يعقوب بموقورنو، الشيخ الميسوم بقصر البخاري، ضريح الشيخ الأحمر بوزيان محمد عبد القادر.

 

 

السكان يستبركون بالحمامات الطبيعية

يقصد سكان المدية الحمامات الطبيعية للتبرك بها وجلب المياه منها والاستحمام في فصول معينة، فهي في نظرهم رمز للطهارة من الأوساخ والأمراض الجسمانية والنفسية وفق طقوس معينة، والأكيد أن أغلب هذه الفضاءات تقصدها النساء على وجه الخصوص، وهذا لأغراض كثيرة، كالترويح عن النفس أو التبرك، ومن هذه الحمامات نذكر حمام العوينة، الذي تقصده النسوة رفقة الرضع، الذين يشكون من الضعف الجسدي وتتكرر الزيارة لثلاث مرات متتالية، ويتم الشفاء فيها حسب رواية سكان المنطقة.

وحمام سيدي سليمان العتيق الذي يفتح أبوابه للرجال كل يوم ما عدا السبت، فهو مخصص للنساء وتقصده العوانس بكثرة، تمارس فيه الطقوس لجلب حظ الزواج، كما تقصده العاقرات من أجل الحمل، ويشترط في ذلك تكرار الزيارة لتحقيق الغاية، ويعود وجود الحمامات إلى العهد الروماني، بل أن هناك دلالات تاريخية تؤكد وجود حمامات بالمدية تعود إلى فترة ما قبل الرومان.

 

 

حظيرة التسلية لبن شيكاو والحمدانية

تقع حظيرة التسلية لبن شيكاو على بعد 19 كلم جنوب المدية، هي من ضمن مجموعة الترفيه المبرمجة على مستوى ولاية المدية.

وقد سمح اهتمام السلطات المحلية بهذا المشروع من خلال تخصيص موارد مالية هامة بتثمين هذا الموقع الطبيعي ومناخه المتميز وهوائه المنعش المفيد للمرضى الذين يعانون مشاكل في الجهاز التنفسي.

ويتربع هذا الفضاء على عدة هكتارات واقعة على جبل بن شيكاو على ارتفاع 1.248م في وسط طبيعي خلاب، يقدم منظرا شاملا لحقول واسعة من الكروم التي تغطي تلال بن شيكاو.

وفي منطقة الحمدانية يتم تجهيز مشروع آخر أصغر من الأول لكن بنفس القدر من الأهمية، وتقع منطقة الحمدانية بالقرب من الضفة الغربية لواد شفة، موقع الحمدانية محاط بسلسلة من تضاريس جبلية وعرة، فمن الجانب الغربي جبال تمزقيدة ومن الجانب الشرقي جبال الشريعة، هذه الجبال مزينة بالعديد من الأصناف النباتية العطرة.

ويمكن لمن يزور هذه المنطقة أن يزيد في متعته بالقيام بزيارة لمطاعم الشواء المشهورة في المنطقة، كما يمكن اغتنام الفرصة لاقتناء بعض اللوازم المتوفرة في محلات الصناعات التقليدية.

 

المناطق الرطبة… مناطق تزدان بها المدية

سد بوغزول:

بني سنة 1937 تمتد مساحته إلى 24.500 هكتار. صنف كمنطقة رطبة من طرف اتفاقية رامسار وكمنطقة محمية في 21 مارس 2003. يكتسي أهمية كبرى من الجانب البيئي باعتباره خزانا للغذاء ومكانا لتناسل ثلاثين نوعا من الطيور المهاجرة.

وفقا للتعداد الحديث، لوحظ أن الأصناف الأكثر هيمنة (بين 300 إلى 1000 طير حسب النوع) .

بحيرة تمزقيدة:

بحيرة تمزقيدة الواقعة في قمة جبل تمزقيدة، تعطي صورة واضحة للجزء الشمالي لسهل متيجة، واد بورومي وشفة من الناحية الشرقية، مدخل المدية وواد حربيل جنوبا، وجزء من أعالي شلف غربا، تمتد على مساحة هكتارين محاطة بسلسلة غابية تحتوي على أنواع عديدة من النباتات كأشجار البلوط الأخضر، البلوط الفليني، الاسفندان الريفي، الدردار، الخروب، الصنوبر الحلبي، الزيتون والتوت، هذا التنوع النباتي حوّل المنطقة إلى مكان مفضل لمختلف أصناف الطيور مثل: اللقلق الأبيض، الكروان، البجع، طيور الكركي، البوم، الصقر، بالإضافة إلى العديد من أصناف الثدييات كالقرد ماغو، الأرانب، الثعلب، الحرباء والسلحفاة.

هذا الموقع الجذاب كان مصدر إلهام للعديد من القصص التاريخية والخيالية المتوارثة عبر الأجيال لتصبح متجذرة في الذاكرة الجماعية لسكان المنطقة إلى يومنا هذا،

وأصبح الموقع بعد الاستقلال وحتى نهاية الثمانينيات مكان اصطياف للعديد من العائلات والشباب المتعطش للخلوة والهدوء أو التمتع بالجو اللطيف والهواء المنعش.

باب الأقواس:

يعتبر أحد معالم المدينة العتيقة للمدية، يطلق اسم باب الأقواس على مجموعة القنوات المائية التي يعود تشييدها إلى الفترة الرومانية وهي بمثابة شرايين توصل المياه إلى مختلف أنحاء المدن، وقد استغلها زيري بن مناد عندما أعاد تشييد المدية، كما استفاد منها العثمانيون خلال فترة تواجدهم بها.

خربة السيوف (دائرة عزيز):

قبل أن نتحدث عن المدينة الرومانية المتواجدة بأولاد هلال، لابد من الإشارة إلى أن كلمة خربة تعني عند علماء الآثار: الأطلال وبقايا المدن الرومانية.

وكانت خربة السيوف في العهد الروماني عبارة عن حصن عسكري تحول فيما بعد إلى مدينة توحي آثارها برقي وتطور الحياة فيها، بالإضافة إلى كونها ممتازة الموقع من الناحية العسكرية الدفاعية وكانت محمية بأسوار ضخمة مغروسة في باطن الأرض وبأعمدة سميكة، تتواجد على طول محيطها أبراج لمراقبة الأنحاء المجاورة.

وتحتوي المدينة الرومانية بخربة السيوف على منابع مياه معدنية تفجرت من صخرة تظهر جليا بهذه المدينة التي تبلغ مساحتها 25 هكتارا، تسرد الحجارة والأطلال المتناثرة على مساحتها تاريخ المنطقة وازدهارها في وقت مضى، فأرضها الخصبة وسهولها السخية لطالما كافأت أهاليها بوفرة إنتاجها وغلاتها، علما بأنهم امتهنوا الفلاحة كنشاط رئيسي بعد أن كانوا جنودا في ظل حصن عسكري وكذلك كان الأمر بالنسبة للمدينة الرومانية بخربة السيوف التي كانت في الأصل عبارة عن حصن دفاع عسكري تحول فيما بعد إلى مدينة عاشت فيها عائلات الجنود وجاليات رومانية اختلطت بالبربر بعد سقوط قرطاج سنة 146م.

قصر البخاري.. مدينة الشمس

هي مدينة جزائرية ومن أكبر بلديات ولاية المدية ويقطنها حوالي 70 ألف نسمة. تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 60 كيلومترا، يمر بها الطريق الوطني رقم 01 العابر للصحراء الكبرى.

تأسست مدينة قصر البخاري في العهد الرستمي، فيما تذكر مراجع أخرى أنها ظهرت في عهد الدولة الزيرية (زير بن مناد) واستقرت بها الإباضية ويرجع لهم الفضل في تأسيس المنطقة، وأطلق على مدينة قصر البخاري هذا الاسم نسبة إلى رجل يدعى البخاري تيمنا بهذا الشيخ الفاضل الذي كان قد استقر بهذا المكان وبنى لنفسه بناية على شكل قصر “يشرف على المدينة”، اختيرت المنطقة لارتفاعها من جهة ولوفرة المياه بها من جهة أخرى، وقد سبق للراحل “توفيق المدني” أن دوّن في أحد كتبه المتعلقة بتاريخ الجزائر بأن قصر البخاري كان في نطاق وحدود وحكم الدولة الرستمية وكان يتوفر على سوق كبير للمواشي وكان القصر العتيق يحتوي على المرافق الضرورية من حمامات ومساجد وكنائس ومعابد لليهود “الشنوقة”، نجد به عمائر ذات الطراز العربي الأندلس والعثماني إلى الطراز الأوروبي، معالم ما زالت شاهدة على التاريخ بالأمس القريب في سنوات الأربعينيات والخمسينيات، الحداد عميروش، بن سالم القهوجي، أحمد الكواش، العتروس، عبد القادر مرابوا، إبراهيم المزابي، محلات بوعجيلة (طرابالسي)، ابن زروق السبابطي، الكابران الحفاف ومتجر اليهودي وحمام جدي، وهيكل معبد اليهود ومحل اليهودي “حيم رابين”. والسور المبني على الطراز المزابي “ابن يزقن”… هؤلاء الذين أتوا من الجنوب، فشيدوا منازل وشقوا الأزقة، وهندسوا معالم هامة، أضفت عليه جمالا ورونقا، فأصبح همزة وصل بين الشمال والجنوب. فكانت قطعة الأرض هي الأولى التي اشتروها من أهالي “حناشة” وهي الآن مقبرة يدفن فيها بنو مزاب موتاهم. أما اليهود الذين حلوا بالمنطقة فبنوا أملاكا واشتروا أخرى لتوسيع نفوذهم، فأثروا حياتهم بالتجارة ورأس المال، أما العرب فاتخذوا الجزء الشمالي من أعالي قصر البخاري بالقرب من مدرسة ريح بن يمينة العليا بمحاذاة منزل (حناشي العربي) المدعو “بلفاع”، فكانت منازلهم عبارة عن خيم من الشعر. وبالقرب من حجر ضخم يسمى حجر “أولاد بوخالفة”. لقد كانت الحياة التجارية نشاطا حيويا متنوعا جعل المنطقة تزدهر وتنمو.

شلالة العذاورة أو مدينة الينابيع والشلالات

 

كانت تسمى مدينة الشلالات لكثرة الينابيع والشلالات التي كانت معروفة بها منذ عهد الرومان.

توجد في مدينة شلالة العذاورة الكثير من الآثار من وقت الرومان والأتـراك في حالة يرثى لها، منها آثار لحامية عسكرية ومقبرة رومانية بالجنوب الغربي قرب منبع عين الشلالة، ورغم ما تعرضت له المدينة القديمة من نهب لآثارها إلا أنها ما زالت تسرد قصص التاريخ المجيد وتحفـظ جثامين عمالقة صنعوا تاريخ الأمازيغ.

بقيت المدينة الحالية محافظة على الطراز الإسلامي في بناياتها، ويعتقد بعض المؤرخين الفرنسيين أن الشلالة بنيت على أطلال محمية رومانية اندثرت إثر غزوات الوندال في القرن الأول بعد الميلاد، وكانت تسمى في العهد الروماني “كاسترا كاتاراكتا “أي حصن الشلالات .

في العهد النوميدي الأمازيغي أخذت اسم تاشلالت.

في العهد الروماني أخذت اسم كاسترا كاتاراكتا.

في العهد العربي الأول أخذت اسم الشلالات.

في العهد العثماني أخذت اسم شلالات العذاورة ثم خميس العذاورة.

وبعد الاستقلال أخذت الاسم الرسمي شلالة العذاورة.

والشلالة قطب حضري، عدد سكانها يفوق 50000 نسمة، تحتوي على ثانويتين وسبع متوسطات وعشرين مدرسة ابتدائية ومستشفى ومؤسسة للصحة الجوارية وثمانية مساجد، بالإضافة إلى مرافق للشباب وأخرى رياضية وثقافية ومركز للتكوين المهني.

كما تملك المنطقة إمكانيات سياحية كبيرة، إمكانيات طبيعية تساعد على بروز عدة أنشطة سياحية كالصيد، السياحة الجبلية، التجوال والتخييم وهي مدعمة بمرافق وهياكل سياحية هامة، وهذا ما جعل ترقية النشاط السياحي في المنطقة يمكن تحقيقها تدريجيا بإشراك كل الفئات المعنية وبهدف مشترك، كما أن ترقية السياحة لها نتائج إيجابية على كل القطاعات النشطة في المنطقة وتعطي مصدرا لخلق مناصب شغل وتحقيق تنمية محلية.

فإمكانيات المنطقة الطبيعية، الثقافية والأثرية تؤهلها لجعل السياحة نشاطا محركا للتنمية، فمن وجهة نظر اقتصادية، يمكن للقطاع أن يؤدي إلى دفع ديناميكي ليس فقط لجلب العملة الصعبة، لكن أيضا في مخطط النشاط لخلق مناصب شغل مباشرة ومتوقعة.

إن المنطقة تطمح إلى التنمية والعصرنة وهي تفتح ذراعيها لكل من يرغب في إنشاء استثمارات مربحة ودائمة، وهذا بإتاحة الإمكانيات الطبيعية والاقتصادية الكبيرة الناشئة عن مناخ ملائم، بفلاحة ترتكز على زراعة الأنواع المشهورة التي تتواجد فقط في حوض المتوسط.

البرواقية.. مدينة شريف قرطبي وحسن الحسني

حسناء نائمة تنتظر من يوقظها

 

مدينة البرواقية يشتق اسمها من نبتة البرواق المتواجد في المدينة ومحيطها بكثرة، وهي أكبر دوائر ولاية المدية وتبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 108كم، تقع على الطريق الوطني رقم واحد، كانت تعرف قديما في عهد الرومان تاناراموزا كاسترا وعرفت كذلك بإسم ترينيدادي وهي مدينة يسكنها حوالي 80000 نسمة وتعتبر قطبا صناعيا مهما وأهم مصانعها وحدة إنتاج المضخات والعتاد الفلاحي وشركة إنتاج الطاقة بالغاز (وحدة تصدير الغاز إلى أوروبا). وفيها أشهر السجون الجزائرية المعروف بإسم الزمالة والذي شيده المستعمر الفرنسي على أرض فلاحية سنة 1879 وتعتبر مدينة ذات طابع فلاحي رعوي تشتهر بزراعة الكروم والكرز على محور بن شيكاو وإنتاج الفلين

(يعرف محليا باسم الفرنان)، وهي كذلك مولد أول رئيس حكومة انتقالية ورئيس حزب الأمة السيد يوسف بن خدة وعدة شخصيات أهمها الموسيقار شريف قرطبي صاحب رائعة “من أجلك يا وطني” والكاتب علي بومهدي، وفيها انفجرت الموهبة المسرحية والفكاهية حسن الحسني والمسرحي دحمان قرنينة. وتعتبر مدينة البرواقية منطقة ثورية حيث قامت هناك عدة معارك ضد المستعمر الفرنسي بجبل صباح وجبل موقورنو وبأولاد بوعشرة، أين استشهد الرائد محمد بوقرة بعد تكبيد العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، حيث تم إسقاط طائرة للعدو، وتشتهر مدينة البرواقية بحمام الصالحين المعدني الذي شيده الأتراك إبان الحكم العثماني للجزائر ومنطقة التيطري ويستمد مياهه من جبل صباح الشهير ببركانه الخامد وتعالج مياهه عدة أمراض منها البثور والطفح الجلدي وأمراض الروماتيزم والمفاصل والعقم.

 

 

تابلاط.. التمازج الثقافي والعرقي في أروع صوره

يعود أصل تسمية تابلاط إلى الرومان، حيث يعد الرومان ثاني حضارة مرت بتابلاط بعد السكان الأصليين وهم الأمازيغ، حيث كانت تسمى في العهد الروماني تابلاتونسيس وتعني بالرومانية: “الثكنة” أو “المعسكر الروماني” وهناك من يقول إن معناها “المشية العسكرية” بالرومانية أيضا. الأمازيغ تحت السيطرة الرومانية استعملوا تسمية “تافلاست” ثم تحولت بعدها إلى” تابلاتا” ثم إلى “تابلاط”، وهي التسمية الحالية للمدينة.

وتضم بلدية تابلاط لوحدها أكثر من 60 قرية ما يذكرنا بالطريقة الأمازيغية في السكن، لكن تابلاط تضم قرى عربية وأمازيغية، ما يدل على التمازج الثقافي والعرقي الحاصل فيها منذ القدم.

ويعود هذا العدد الهائل من القرى بإقليم بلدية تابلاط خصوصا ودائرة تابلاط عموما إلى أسباب متعددة لعل أبرزها هو :

– الهجرة الأولى لسكان الجزائر العاصمة (مزغنة آنذاك) وضواحيها نحو تابلاط أثناء الحملات الإسبانية، وتأسيسهم مزغنة جديدة تقع 6.5 كلم جنوب مدينة تابلاط في إقليم بلدية مزغنة التابعة لدائرة تابلاط والتي تحمل هذا الاسم نسبة إلى مزار مزغنة المعروف بـ”القبة” محليا.

– الهجرة الثانية أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر: فقد فضل الكثير من السكان المحليين للعاصمة الجزائر الهروب نحو الجبال نظرا للتضاريس المساعدة للقتال والفرار من بطش الاستعمار الفرنسي الذي دخل بوحشية.

-ويعد سكان بلدية تابلاط هم السكان الأصليين للجزائر العاصمة التي كانت تسمى مزغنة قديما، حيث توجد منطقة في تابلاط تسمى مزغنة.

 

“الكاف الأخضر”.. متحف وطني

الكاف الأخضر.. (جبل تيطري) المنطقة التي عجزت عن دخولها فرنسا

عبارة عن جبال صخرية ومنصات حجرية تفوق المئات من الأمتار، ماء سلسبيل ووديان تسيل على مدى الفصول الأربعة، عنب ورمان وبلوط، ظلال بعشرات الكيلومترات.. هواء عليل وعلو شاهق يطل على جبال الشريعة.

بوابة لا يفوق حجمها الأربعة أمتار، تسمى “الفج”، جعلها الخالق بوابة لجنة من جناته على الأرض، وتبدو لك للوهلة الأولى أشبه بمنصة عرض مسرحية فتحت أبوابها لنا لتطلعنا على أسرار وجودها وعلى ما كان يحدث فيها والاطلاع على خبايا هذا الكهف الأسطورة.

كان هذا الكاف متحفا وطنيا لما يحمله من دلالات ثورية، فقد حمل على ظهره ثاني شهيد بعد الشهيد “زبانة”، هو الشهيد “عويسي”، كما كان يستعمل إبان الحقبة الاستعمارية من طرف المجاهدين كقاعدة تنطلق منها عملياتهم العسكرية ضد المستعمر في كل أرجاء المدية، مستغلين في ذلك امتداده الجغرافي وموقعه الاستراتيجي، حيث يصل امتداده من شلالة العذاورة شرقا إلى الربعية غربا، ما جعل منه ممرا آمنا وحصنا حصينا. بصعودنا إلى أعلى قمة بعد عناء طويل، نجد أنفسنا بعد ساعة من السير بين العشرات من الغربان السوداء، لنحط أنظارنا على العشرات من الأبقار تبدو لنا في الوهلة الأولى أبقارا متوحشة، ولا يوجد برفقتها راع يرعاها في هذا المكان الهادئ.. غير أنهم منذ سنين طويلة كانوا وما زالوا يرسلون أبقارهم إلى الجبل لترعى لوجود وفرة في الحشائش والعلف، فإن عادت فبرفقة عجول وقطعان كثيرة قد خلفتها خلال سنين الرعي الطويلة، وإن لم تعد فأكيد أنها كانت فريسة للذئاب.

بمواصلة السير مع نغمات صوت العصافير وخرير المياه العذبة التي تنبعث من وديان الكهف، وبرفقة عطور النعناع والزعتر التي زادت من المكان رونقا وجعلت منه جنة فوق الأرض بلا منازع.

لو واصلنا السير يشد أنظارنا كمّ من الصخور بعيدا عن الأشجار المتشابكة ولا يوحي بوجود حياة فيه، لنجد أنفسنا بداخل برج مراقبة مبني بالحجارة ومغطى بالأشجار للتمويه. ونرى من الهضبة مغارات كثيرة بأعلى قمة بالتيطري، والذي فاق علوه الـ1400 م.

هذا الكاف يبدو حجريا من ظاهره وجنة من داخله، وحصنا حصينا للمجاهدين أثناء الثورة، وكافيا لبقاء الإنسان حيا بداخله دون أن يلجأ إلى المدينة أو الدعم، لنعود أدراجنا ونترك هذه الجنة التي يجب على المعنيين الاهتمام بهذا المعلم التاريخي وحمايته، كما يجدر استغلال هذا الكهف _الجنة_ طبيعيا وتحويله إلى تحفة أثرية، وإلى منتجع سياحي أو محمية طبيعية.