إننا في شهرٍ حوى في عُمق التاريخ يومًا من أيَّامِ اللهِ العظيمة، يومَ انتصارٍ للحقِّ على الباطِل، يومَ علوِّ للخيرِ على الشر، يومَ ظُهُورٍ للإيمان والتجرُّد على الكُفر والتمرُّد، يومًا جاءَ فيه الجوابُ للمؤمنين والناس أجمعين: أنّ العظَمَةَ والكبرياءَ لله وحده، من نازعَ اللهَ فيهما أهلكَهُ اللهُ ولا يبالي، يومًا جاءَ فيه الجوابُ للمؤمنين والناس أجمعين أنّ الغطرسَةَ مهما تطرّفت فإنّها لا تصمُدُ أمام قوَّةِ اللهِ وتدبيرِه وجبرُوتِهِ العظيم! إنه يومُ عاشوراء الأغَر الذي نشكُرُ اللهَ سبحانه فيه أشدّ الشّكر، لأنّهُ سبحانه أهلكَ فيه فرعَون وجنودَهُ، فأنهَى أيّامَهُ، ونكّسَ أعلامَه، ومزّقَ مُلكَهُ، ونصرَ فيه المؤمنين المقهورين المستضعفين بعد طول سنين، وبعد اشتدادِ البكاء والدّعاء والأنين!
إنّما هي قوَّةٌ واحدةٌ في هذا الوجود، هي قوة الله عز وجل؛ وإنَّما هي قيمةٌ واحدةٌ لها الخلودُ والعاقبة، هي قيمة الإيمان والصّلاح في الأرض، فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه ولا هو يحزَن، معه النصر والظَّفر وحُسنُ العاقبة ولو بعد حين، ومن كانت قوةُ الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة ولا نصر له ولا ظَفرَ ولو ساندته جميع قوى الأرض، مهما طالت سِنِينُ الإمهال، ومهما اشتدّ أنينُ النّساءِ والرّجال، فعاقبتُهُ فِرْعَونيَّةٌ كما بيّنَ ربُّنا سبحانه.! قال الله تعالى ” وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ” الأعراف: 137.
عاشوراء يَومٌ عظيمٌ حوى درسًا بليغًا للموازين الحقيقيّةَ للنصر والإعانة والتأييد: يومٌ علّمَ النّاسَ أنَّ اللهَ تعالى عزيزٌ لا يُرَام، وجبَّارٌ لا يُضَام، وقيُّومٌ لا يَنَام، سُنَّتُهُ سبحانهُ في نصرِ المظلومين ماضِيةٌ لا تتبدّل، وسُنّتَهُ في محقِ الظّالمينِ ثابتةٌ لا تتحوّل، وإنَّما لكلّ أجلٍ كتاب!. يمتحنُ اللهُ تعالى في هذا الأجلِ خُلُقَ ” المجاهدة والصبرِ” في المقهورين، وهو ناصرهم لا محالة، وعدًا كانَ مفعولاَ، وإنما ليتيقَّنوا أنَّ المجاهدةَ والصبرَ هما القاعدةُ العظمى التي ينبني عليها كل فَرَج حتّى على الأنبياء والرّسل عليهم السّلام فكيف بمن دونَهُم ؟، قال الله تعالى ” وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ” الأنعام 34.