عائلات تقاطع وتشدّ الحزام استعدادا لـ 2017…. تحضيرات محتشمة للاحتفال بالمولد النبوي الشريف

elmaouid

تستعد الآلاف من العائلات الجزائرية لشدّ الحزام، استعدادا لرفع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية، حسب قانون المالية 2017 الذي تمت المصادقة عليه من قبل نواب الشعب ومجلس الأمة، الذي ظهرت بوادره خلال هذا الشهر، ما جعل العديد من العائلات تقرّر الاستغناء عن عديد الكماليات وتقليص احتفالاتها بالمولد النبوي الشريف.

أحدث قانون المالية 2017، حالة ترقب لدى العائلات محدودة الدخل التي تستعدّ بتخوف للسنة المقبلة التي لم يعد يفصل عنها إلاّ أيام معدودة، حيث ستطبّق فعليا مختلف الزيادات والضرائب المعلن عنها في قانون المالية الجديد.

وانعكست بوادر قانون المالية على أصحاب المحلات التجارية الذين قرّر معظمهم عدم المخاطرة باقتناء سلع باهظة الثمن التي من المتوقّع ألاّ تلقى الرواج الذي اعتادوه لسنوات خلت، كما هو الشأن بالنسبة لأنواع معينة من المفرقعات التي تستعمل في المولد النبوي الشريف، مع تسجيل ارتفاع محسوس في أسعار اللّحوم البيضاء منذ أيّام والتي لم تنزل عن 370 دج للكيلوغرام بالنسبة للدجاج، وهي مظاهر اعتاد أغلب الجزائريين إحياءها من كلّ سنة، لإضفاء جوّ من الفرحة ولمّة العائلة، إلاّ أنّه يبدو أنّ الأزمة الاقتصادية وسياسة التقشّف ستفرض منطقها.

 

الدجاج.. فرصة التاجر

تبدأ مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في الجزائر من اليوم 11 ربيع الأول، فتحضر ربات البيوت الشخشوخة أو الرشتة وحتى الكسكسي الذي يجب أن يكون بالدجاج، لأن عشاء المولد تقليد اعتاد عليه الجزائريون منذ مئات السنين، لكنهم اليوم يقفون أمام تحدي التهاب الأسعار التي كبلت العقول وأفلست الجيوب، بينما يجد فيها التاجر فرصة للربح في مثل هاته المناسبات خاصة في ظل الارتفاع الفاحش للأسعار.

 

تمسك بالعادات رغم الصعوبة

تجمع غالبية ربات البيوت على أن الاحتفال بالمولد النبوي تقليد لا يمكن التخلي عنه، خاصة فيما يتعلق بالعشاء التقليدي المتمثل في الشخشوخة، الرشتة والكسكسي الذي يعتبر الطبق الأساسي لا غنى عنه، وفي سؤالنا حول كيفية التصرف مع ارتفاع أسعار الدجاج، قالت السيدة فتيحة إنها ستقوم بشراء بعض الأجزاء من الدجاج وليس دجاجة كاملة حتى لا تفوت المناسبة من جهة وإدخال السرور إلى قلوب أبنائها بالحنة والعنبر وقليل من المفرقعات من جهة أخرى.

 

مناسبات متتالية و”الزوالي” دائما في محنة

يجد المواطن البسيط نفسه عند حلول مثل هاته المناسبات الدينية في مواجهة صعبة بين الحفاظ على الميزانية والخضوع لرغبة الأبناء و المحافظة على التقاليد من جهة أخرى، حيث حال ارتفاع الأسعار دون تمتعهم بالمناسبات الدينية، ما أدى إلى انتشار بعض الأمراض كضغط الدم والسكري الناجمة عن مشاكل الحياة وأزماتها.

“حميد. ف”، البالغ من العمر 58 سنة، رب أسرة، يعمل نجار لدى أحد الخواص، لا يتعدى راتبه 25000 دينار جزائري، يقول :”ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة، حال دون تنعمي بالمناسبات، لأن التجار يزيدون في الأسعار دون مراعاة أوضاعنا ما يضطرني إلى الاستدانة من هنا وهناك، الشيء الذي يحدث لي غالبا، فكيف لي أن أشتري دجاجة واحدة بـ1000 دج، ناهيك عن الرشتة والخضر والفواكه والمفرقعات ولوازم الطمينة وبعض الحلويات، أي أن الميزانية التي أخصصها لمثل هاته المناسبة تتعدى 8000 دج أي تقريبا ربع الراتب والشهر طويل والفواتير كثيرة”.

 

بين التاجر و”الشهّار”

أصبح معلوما لدى العام والخاص أن التجار الجزائريين ينتهزون فرصة الأعياد والمناسبات من أجل زيادة الأسعار ومص دم “الشهّار”، فيرفعون الأسعار ويتحججون بنقص العرض وأنهم يشترون اللحوم بسعر مرتفع من البائع الأصلي، أي من المداجن وبالتالي فإن المشكل ليس هم مصدره، بل من المربين الأصليين. وإن اتجهت إلى المربين الأصليين أرجعوا السبب إلى عدم وفرة الإنتاج الوطني وعدم ارتقائه لتغطية الطلب المحلي واللجوء للاستيراد ما يؤدي إلى تذبذب الأسعار وارتفاعها، حيث أن إنتاج الجزائر لا يتعدى 300 ألف طن، بينما الطلب المحلي يبلغ 400 ألف طن، أي أن المشكل يبقى بين الطلب والعرض وأن التاجر مجرد وسيط لا يجب معاقبته على شيء.

 

”المحيرقات” جزء من الثقافة الجزائرية

ومع كل ذلك، هناك فئة من الجزائريين يصرون على الاحتفال بالمحيرقات التي تعتبر مظهرا من مظاهر الفرح، وهو أمر عادي وداخل في موروثنا، حيث يحتفل الجزائري بذكرى مولد سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم بطريقته الخاصة، التي تبقى جزائرية محضة، لم تتوقف منذ سنوات، كما أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وإضاءة سماء تلك الليلة بالمفرقعات لا يقتصر على الجزائر العاصمة فقط، بل امتدت الظاهرة لتشمل جزءا كبيرا من الوطن الذي لا تختلف فيه مظاهر الاحتفال عن العاصمة حتى، وإن كان العاصميون يبالغون كثيرا في استخدام المفرقعات، إلا أن الكثير من شباب الولايات الداخلية قد حذوا حذوهم في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بهذه الطريقة، فالإقبال على شراء المفرقعات يبقى ميزة الاحتفال لدى الجزائريين دون منازع، ويُجمع غالبية من تحدثنا إليهم على عدم تخيلهم أن يمر المولد في الجزائر هادئا ودون سماع دوي “المحيرقات”.

 

من الأبناء إلى الآباء.. متعة أكبر ومخاطر أشد

ورغم علم الأولياء بمخاطر هذه الألعاب على صحة أبنائهم، وما قد تعرضهم له، إلا أن الكثير منهم يشتريها لأبنائه، سواء نزولا عند رغبة أطفاله أو لأنه يرغب في مشاركتهم اللعب مثل ما هو حال السيد “سعيد” أب لطفلين، وجدناه أمام طاولة لبيع المفرقعات الذي قال في حديثه معنا “أنا أشتري لأبنائي الألعاب بـ 500 دج ولنفسي 5000 دج، وهذا من أجل اللعب مع أصدقائي والترويح عن نفسي”، ويوافقه الرأي السيد عبد الرحمن وإن كان دافعه مختلفا عنه ويقول:”مع أني لا أحب المفرقعات وأكره أن يلعب بها أبنائي بسبب مخاطرها، إلا أنني أشتريها لهم نزولا عند رغبتهم وحتى لا يشعروا بالنقص أمام أقرانهم، ولكن أحرص على شراء الأنواع البسيطة منها لأنها أقل خطورة وبإمكان أبنائي اللعب والاستمتاع بأمان”، وعلى العكس تماما من ذلك، يقف عمي مسعود غاضبا من الانتشار الكبير والاقتناء المتزايد لهذه الألعاب، فقال: “الألعاب النارية خطيرة ويجب الحذر عند استعمالها، وأنا لا اشتريها وأعاقب أولادي عند شرائها، ولا أتفق مطلقا مع من يشتريها لأبنائه لأنه في رأيي اشترى الإعاقة لهم”.

 

الدكتورة إيمان ربوح لـ “الموعد اليومي”: “الحروق والاختناقات أكثر الإصابات وفقأ العيون أشدها ضررا”

أكدت الدكتورة ربوح إيمان في حديث مع “الموعد اليومي” أن أكثر الإصابات التي يتكفلون بها في مثل هذه المناسبات هي عبارة عن حروق وجروح سطحية ناجمة عن شظايا الألعاب النارية وحالات الاختناق الناجم عن دخان الألعاب النارية، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض تنفسية أو رئوية، وأن كل الفئات معرضة للمخاطر ولكن أغلبهم من الأطفال وذلك لعدم معرفتهم لكيفية اللعب بهذه الألعاب، وعدم الاحتياط عند استخدامها أو ببساطة عدم توفر رقابة الوالدين، وأوضحت الدكتورة أنه في حالة الإصابة بالحروق أول ما يجب فعله هو تغطية المنطقة المحروقة بقطعة قماش أو سكب الماء البارد عليها والاتصال في أسرع وقت ممكن بالمصالح الاستعجالية، كما تنصح الدكتورة بتجنب تطبيق أي مرهم أو خلطة أعشاب أو أي وصفة أخرى على المنطقة المحترقة لأن ذلك قد يتسبب في مضاعفة المخاطر، أما في حال اللعب فتنصح المتحدثة لتجنب مثل هذه الحوادث، باتخاذ الإجراءات الوقائية عند التعامل مع الألعاب النارية والابتعاد عنها بعد إشعالها بمسافة معتبرة واللعب في الأماكن الواسعة وتجنب اللعب في المنزل وخصوصا المطبخ والمرأب وتطبيق رقابة صارمة على الأطفال والحرص على سلامتهم. ومع استحالة منع وإيقاف مثل هذه الألعاب، يدعو الأطباء في مثل هذه الأوقات إلى القيام بالحملات التحسيسية من أجل التوعية بمخاطر الألعاب النارية على أبنائنا والابتعاد عن استخدامها وعدم تداولها.

 

المفرقعات تسبب الصمم والعمى

حذر رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، البروفيسور مصطفى خياطي، في تصريح سابق للصحافة من المضاعفات الصحية غير المباشرة للمفرقعات الكبيرة الحجم التي تنبعث منها أصوات مدوية قد تتسبب في تمزيق طبلة الأذن أو التأثير النسبي عليها، والذي يتحول مع مرور الوقت إلى مرض يتسبب في الفقدان التدريجي لحاسة السمع وخلل في عمل المخ على غرار ما حدث لكثير من الأطفال، وأضاف البروفيسور أن المفرقعات تحتوي على مواد كيميائية خطيرة ومجهولة يتسبب انبعاثها في أضواء تؤثر على وظيفة العين التي تعتبر العضو الأكثر حساسية في الجسم، حيث تتعرض لحروق على مستوى الملتحمة وتمزق في الجفن، أو دخول أجسام غريبة في العين، أو انفصال في الشبكية، وقد يؤدي الأمر إلى الفقدان الكلي للبصر، ناهيك عن التشوهات الخلقية والحرائق وبعض حالات الإعاقة الناتجة عن هذه المواد.