ما أكثر الحاقدين على القرآن من أعدائه! وما أكثر الجاهلين بالقرآن من أدعيائه! فمنذ أن ظهر هذا القرآن على وجه الأرض، وأعداؤه يتربصون به الدوائر، ومعركتهم ضده دائرة في كل زمان ومكان، فمن معركة التشهير، إلى معركة التنفير، ومن معركة التمويه، إلى معركة التشويه، ومن معركة الكيد الخفي، إلى معركة العدوان الجلي، ومن معركة العدوان الظاهر، إلى معركة التدنيس الجائر. لقد نشرت وسائل الإعلام أن بعض أعداء القرآن في الغرب حرقوا القرآن في ساحاتهم، وقد تكررت هذه الجريمة أكثر من مرة، وقد جاءني شاب متحمس يقول: لماذا لا نقوم بوقفة احتجاجية؟ فقلت له: هل حفظت شيئا من القرآن؟ قال: لا. فقلت له هل عندك برنامج لحفظ القرآن؟ فأجاب: لا. فقلت له: في الحقيقة يجب أن نقوم بوقفة احتجاجية ضد أنفسنا أولا؛ فإذا كان الكافر قد حرق القرآن الكريم فقد حرقناه نحن بجرائمنا ومخالفاتنا! نعم قد حرقناه في معاملاتنا بالرشوة والربا والزنا والاختلاس… أما إهانة الكافر للقرآن الكريم فليس بغريب ولا بجديد، وإنما الغريب المسلم الذي يضيع القرآن، ويهجر القرآن. نعم! يجب أن نقف ضد حرق القرآن الكريم لكن لا بالصخب والمظاهرات؛ بل بالدروس والمحاضرات، بالعلم والعمل، بالحكمة والموعظة الحسنة، بالرجوع إلى هذا القرآن، لنبني به المستقبل، لنصنع به الحياة.
بكل بساطة إنك لو لم تستطع إلا أن تصلح نفسك، فتمتنع عن جرائم كنت أنت ترتكبها لكان هذا منك دفاعا عن هذا القرآن الكريم، ولو لم تستطع المسلمة إلا أن تمتنع عن التبرج الفاضح لكان هذا منها دفاعا عن هذا القرآن الكريم، ولو لم تستطع إلا أن تربي أولادك التربية الإسلامية الصحيحة وأن تجعلهم يحسون بانتمائهم لأمة القرآن لكان هذا منك دفاعا عن هذا القرآن الكريم، ولو لم تستطع إلا أن تنقذ مسلما واحدا من ضعف الفقر إلى قوة الغناء، أو من نقمة المرض إلى نعمة الصحة، أو من ذلة الجهل إلى عزة العلم، أو من ظلام الشرك إلى نور الإيمان، لكان هذا منك دفاعا عن هذا القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم “متفق عليه. والمسلم وهو يرى هذا العدوان على القرآن الكريم لا ينبغي له أن يصاب باليأس والقنوط؛ لأن القرآن نفسه هو الذي قال: “وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”، وحرقهم للقرآن دليل على يأسهم من النيل من إيمان المؤمنين به، لأنهم قوم كافرون، وفعلهم هذا بالقرآن الكريم علامة على أنهم جبناء قد أخذ القنوط منهم كل مأخذ لأنهم ضالون. إن حرق القرآن الكريم يجب أن يكون دافعا لنا للرجوع إلى القرآن الكريم، لنعيش مع القرآن في معاملاتنا، لنحافظ على القرآن بصدورنا حتى يغير الله ما بنا. وهذا القرآن العظيم هو الذي قال: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”، وهو الذي قال: “ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ”؛ فهذا القرآن يفتح للأمة بهذه الآية الكريمة باب الأمل، فيقول لكل مسلم: غير نفسك يتغير التاريخ، غير نفسك من الفساد إلى الصلاح، ومن الجبن إلى الشجاعة، ومن الظلم إلى العدل، ومن الجهل إلى العلم، ومن الحرام إلى الحلال، فإن الله تعالى قد وعد بأن يغير ما بك من مرارة الهزيمة والخذلان، إلى حلاوة النصر والأمان، ومن آلام الحزن والأسى، إلى آمال الفرح والسكينة والاطمئنان.
من موقع الالوكة الإسلامي