نقف اليوم مع ظاهرة من الظواهر السيئة التي فَشَتْ في أوساط المجتمع، هذه الظاهرة بسببها هاجتْ رياحُ العداوة والبغضاء بين المسلمين، هذه الظاهرة تُخرِج صاحبَها من ديوان الصالحين، وتُدخِله في زُمرة الفاسقين، هذه الظاهرة تهاوَنَ بها الكثير من الناس في دنيا اليوم، حتى اعتادها بعض الكبار وكثير من الصغار، فلا تكاد تمرُّ من أمام سوق، أو تدخل في محل، أو تجلس في كثير من مجالس الناس اليوم، إلا ورأيت هذه الظاهرة، هذه الظاهرة هي “الفحش، وبذاءة اللسان”. والمقلق في هذه الظاهرة هو انتشارها في مجتمعاتنا اليوم كانتشار النار في الهشيم، حتى أصبحت فاكهةَ المجالس، فأنت تمشي في الشارع تسمع فلانًا يلعن فلانًا، وتمرُّ من أمام شباب صغار يلعبون فتسمع بعضهم يسبُّ بعضًا، ويَشتِم بعضهم بعضًا، تدخل الأسواق لتشتري شيئًا فتسمع بعض الناس يتلفَّظ على أخيه بألفاظ يصف بها العورات ويطعُن بها الأعراض، ويلعن بها الآباء والأمهات، من الصباح الباكر بدلًا من أن يقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، راح يسبُّ ويَشتِم ويلعن، وينادي الناس بأسماء البهائم والحيوانات، أجلَّكم الله. لكل من كان متفحشًا في كلامه، بذيئًا في لسانه: اسمع إلى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول: “سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتالُهُ كُفْرٌ” رواه مسلم.
يقول الإمام النووي رحمه الله وهو يشرح هذا الحديث: “فَسَبُّ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم”، فأين من يلعن الناس ويسبهم من هذا التحذير النبويِّ؟ كم من الناس اليوم من إذا نادى لعَنَ، وإذا غضب شتم، وإذا تهاتر مع الناس سبَّهم؟ ليست هذه من أخلاق المؤمن، قال صلى الله عليه وسلم: “لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الفَاحِشِ، وَلَا البَذِيءِ” الترمذي، ومعنى الطعَّان: أي: الوقَّاع في أعراض الناس بالذم والغيبة ونحوهما، والفحَّاش: ذو الفحش في كلامه وفعاله. وقال صلى الله عليه وسلم: “لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ” رواه احمد؛ يعني: من لَعَنَ مؤمنًا فإثمُه كإثم من قتله تمامًا. فليس المؤمن الذي يطعن أخاه، وليس المؤمن الذي يلعن أخاه، وليس المؤمن الذي يسبُّ أخاه، فهذه ليست من أخلاقه، بل المؤمن طيِّب ولا يخرُج منه إلا طيِّبٌ. فليحذر المسلم من هذه الظاهرة السيئة، وليجعل نصبَ عينه قولَه صلى الله عليه وسلم عندما سُئِلَ: أَيُّ المُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ” مسلم، وليتذكر أن ما من يوم يصبح فيه ابنُ آدم إلا وأعضاؤه – اليدان، والرِّجلان، والعينان، والأُذُنان – تنادي على اللسان وتقول له: “اتَّقِ اللهَ فِينَا؛ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا” الترمذي، وقال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ” الأحزاب: 70، 71.
من موقع الألوكة