قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام ابنُ ماجه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إنَّ هذا الخير والشرَّ خزائن، ولهذه الخزائنُ مفاتيح، فطُوبى لِمَن كان مِفتاحًا للخير مِغلاقًا للشر، وويلٌ لمن كان مِغلاقًا للخير مِفتاحًا للشَّر”. هذا النص النبوي الكريم قاعدة عُظمى، وحكمة كبرى، يَنبغي أن يتأمَّلها الإنسان، وأن يَزِن نفسه بها؛ فإن الرجال يوزَنون بذلك، فيُعرَف بهذا أهل النقص من أهل الكمال، نعم، إن الله جل وعلا قدَّر في هذه الحياة الدنيا دروبَ الخير ويَسَّرها، وبيَّن دروب الشَّر وحذَّر منها، وهي أنواع منوَّعة، كلُّ مَن تطلَّب شيئًا منها وجَده. ولكنَّ المؤمن الحقَّ هو الذي يتطلَّب دروبَ الخير، ويعلم أن الله تعالى يحبها، وأنه سبحانه عنده خزائنُ هذا الخير، بما لا يمكن أن يُحيط به عدد، ولا يَصِل تصورٌ إلى حدِّه وإدراك كُنهِه وما وراءَه؛ فإن الله تعالى بيده ملكوت السموات والأرض، وبيده مفاتيح كلِّ خير جل وعلا، والمؤمن يَسعى إلى هذا الخير الذي يحبُّه الله.
وتأمَّلوا في ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم وخبَرِه عن مآلات كلٍّ من الفريقين؛ مَن جعل نفسه مفتاحًا للخير، ومن جعل نفسه مفتاحًا للشر، فيقول عليه الصلاة والسلام: “طوبى لمن كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر”. قال أهل العلم: إنَّ فيها البشارة بكل خير، طوبى طِيبٌ في الحياة؛ حياة طيبة في الدنيا والآخرة، وقال بعض أهل العلم: “طوبى” جنةٌ من الجنان التي وعد الله تعالى بها عباده. “وويل لمن كان مغلاقًا للخير مفتاحًا للشر”؛ ويل: هذا وعيدٌ بالويل والثبور وسوء العاقبة، وقيل إنه وادٍ من أودية جهنم. وإنَّ هذا الوعدَ وهذا الوعيدَ متناسبٌ مع ما يَصدر من هؤلاء، وتأمل ذلك الإنسانَ؛ مفتاحٌ للخير، مغلاق للشر، فكلما نبتَت نابتةُ خير وبُذِرت بذرة الفضل والحسن والخلق الجميل، كان مبادرًا إليها؛ يَسقيها ويَرويها حتى تَنتشر في المجتمع ويعمَّ أثرُها لكلِّ أحد، بينما الشرُّ مبادر لإغلاقه مبادرٌ لاجتثاثه، حتى لو ترتب عليه هو ضررٌ بنفسه.