طلب العلم

  طلب العلم

كابَد السلف الصالح الصعاب، وتركوا البلاد والأولاد، وجابوا مشارق الأرض ومغاربها، سعيًا وراء حديث واحد أو لقاء شيخ أو معرفة مسألة. وشأن الرحلة قديم، بدايةً من رحلة نبي الله موسى الكليم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، وقد قص الله خبر رحلته في القرآن الكريم مع الخضر، وما كان في رحلته من العوائق والغرائب، فبقيت الرحلة سنَّةً نبويةً وشِعارًا لطلبة العلم إلى يوم الدين. وأصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منهم من قطع مئات الأميال ليلقاه ويتثبت من صِدق نبوته صلى الله عليه وسلم، ومنهم من سافر إليه أو إلى أصحابه من بعده، من البلاد البعيدة، ليسأل عن مسألة وقعت له؛ فكم من الأوقات والأعمار قضاها سلفنا في طلب العلم بعيدين عن الأهل والولد، والزوجة والبلد، متفرغين للطلب، ومن لم يعانِ ذلَّ التعلم، ويقضِ الأعوام في بذره فلن يحصد، كم تحملوا من صعاب الفقر وشظف العيش وصعوبة وسائل السفر!.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثَل ما بعَثَني الله به من الهُدَى والعلم؛ كمَثَل الغيْثِ الكثير، أصاب أرضًا، فكان منها طائفةٌ طيِّبةٌ، قبِلَتِ الماء؛ فأنبتتِ الكلأ والعُشْب الكثير، وكان منها أجادب أمْسكت الماء؛ فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قِيعَان، لا تُمسك ماء، ولا تُنبت كلأ، فذلك مثل مَن فقُه في دين الله، ونفَعه ما بعَثَني الله به، فعَلِم وعَلَّم، ومثل مَن لَم يرفعْ بذلك رأسًا، ولَم يقْبَلْ هُدى الله الذي أُرسلْتُ به”. وقال صلى الله عليه وسلم “مَن سلَك طريقًا يطلب فيه علْمًا، سلك الله عز وجل به طريقًا مِن طرُق الجنَّة، وإن الملائكة لَتَضَعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالِم ليستغفر له مَن في السموات، ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنَّ فضْلَ العالِم على العابد كفَضْل القمر ليلة البدْر على سائر الكواكب، وإنَّ العُلماء ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لَم يُوَرِّثوا دينارًا، ولا درهمًا، وَرَّثُوا العلم، فمَنْ أخذَهُ أخَذَ بحظٍّ وافِر” رواه الترمذي.