تتمسك أغلب مناطق الجزائر بالاحتفال بقدوم فصل الربيع أو ما يسمى بعيد الربيع الذي تعيش أجوائه العائلات الجزائرية بممارسة بعض الطقوس البهيجة وتحضير الأكلات التقليدية والخروج إلى الغابات والحدائق لأجل استنشاق نسمات الربيع والتمتع بأجوائه المعتدلة كما تُحضر أكلة “المبرجة” التي تزين الموائد في كل بيت إلى جانب أكلات تقليدية عديدة وإن تنوعت مظاهر الاحتفال بعيد الربيع عبر ربوع الوطن، إلا أنها تتحد في أجواء البهجة والفرحة والتفاؤل بالخير والبركة وبموسم فلاحي مزدهر.
“المبرجة”.. الحاضر الأكيد في الربيع

مع حلول فصل الربيع لا يكاد يخلو أي بيت جزائري من المبرجة وهي نوع من الحلويات التقليدية تحضّر بالدقيق ومعجون التمر أو كما يعرف بـ”الغرس” والسمن بحيث تجتهد أنامل ربات البيوت في تحضيرها صبيحة اليوم الأول من حلول فصل الربيع المصادف لـ21 مارس وترفق بوجبة القهوة في الفترة الصباحية وبعض المناطق ترافق أيضا قهوة الصباح بـ”الفطير” أو المسمن، بحيث تحضر الأكلات التقليدية حضورا قويا خلال الأسبوع الأول من قدوم الربيع ومن العائلات من تلتزم بتخضيب أيدي الصغار والكبار بالحناء ويتم ذلك في أجواء عائلية تميزها النزهات الترفيهية إلى المساحات الخضراء أين يتقاسم الأطفال والكبار المأكولات واللعب في أجواء مشمسة ربيعية تستمر حتى غروب الشمس.
طقوس خاصة بولايات الجنوب

لا تزال العائلات الصحرواية إلى يومنا هذا تحيي هذا التقليد، حيث يجتمع السكان طيلة ثلاثة أيام للاحتفال بقدوم الربيع في جو احتفالي، في حين تنظم استعراضات فلكلورية عبر الشوارع الرئيسية، وتحتل الحرف التقليدية مكانة مميزة، كما يتم تنظيم عروض أزياء ومسابقات جمال بهذه المناسبة لاختيار (ملكة جمال) وأحسن تارقي، كما تحضر نساء الصحراء أنواعا مختلفة من الخبز بالأعشاب الصالحة للأكل مثل النعناع وأوراق البصل والزيتون، ويتمتع السائح خلال الاحتفال بقدوم فصل الربيع بسباق الجمال الذي ينظمه التوارق، بالإضافة إلى السهرات وتقديم الأغاني التقليدية التي تحكي عن الصحراء والحب والربيع ترافقها سهرات فولكلورية من بينها رقصة (شروا) التي تتخذ شكل مبارزة يؤديها شبان بلباس مميز وتهدف إلى التدرب على استخدام السيف وتمرين العضلات، ويقوم التوارق الملثمون بتأدية رقصة العرس، ويتم الحرص على تحضير أكلات شعبية خاصة بالربيع، والاهتمام بالمشاتل بعرض أنواع مختلفة من الزهور فيها، حيث تعد الحدائق مقصد العائلات في هذا الفصل.
العائلات القبائلية تختار الخفاف

كما تحتفل الأسر القبائلية خاصة سكان المداشر والقرى بالربيع الذي يعتبر بالنسبة لهم موسما فلاحيا يفتح لهم أبواب الرزق ويجلب لهم خيرات الطبيعة وموسما يجمع بين التجديد والاستمتاع، حيث تحرص القبائليات على الخروج إلى الأراضي الزراعية، مستغلين اعتدال الجو لقطف ثمار الزيتون وجلب بعض الأعشاب المشهورة بالمنطقة المسماة بـ(أذرييس) والتي تستعملها ربات البيوت في إعداد طبق الكسكسي المزين بالبيض المسلوق والتين المجفف، خاصة وأنها تحمل فوائد غذائية ونكهة لذيذة إضافة إلى رائحتها الطيبة، إضافة إلى الخفاف الذي يعتقد أهل القبائل أنه سيخفف أيامهم، حيث لا زالت العائلات القبائلية تتمسك إلى حد الآن بعادات أجدادهم المتوارثة، كما اعتاد القبائل على الخروج للمساحات الخضراء باقتراب الربيع للزراعة، مستغلين اعتدال الجو، وتجسيد عادة يطلقون عليها تسمية (تاحمامت)، في حين يعتبر آخرون الموسم فرصة للتكافل والتضامن فيحرصون على ذبح ثور يتم توزيعه على الفقراء، وتستغل العائلات الفرصة للاستمتاع بدفء الجو والمناظر الطبيعية بالخروج إلى طبيعة المنطقة بتحضير مستلزمات النزهة.
العائلات السطايفية تتمسط بطقوس احتفالاتها

توارثت العائلات السطايفية عادة الاحتفال بفصل الربيع عن آبائهم وتتجلى أهم مظاهر الاحتفال بتزيين واجهات محلات المواد الغذائية بداية من الأيام الأخيرة من شهر فيفري بـ”قفف الربيع”، كما يسميها أهل المنطقة، وهي” قفف” خاصة جدا لا تجدها إلا في مثل هذه المناسبات. كما تتزين المحلات بالحلويات ذات الأشكال والأنواع المختلفة وبعضها لا يصنع إلا احتفالا بقدوم فصل الربيع، على غرار حلوة “الكلخ”، ويضفي هذا الديكور المتميز على المناسبة حلة خاصة جدا، كما تتسارع العائلات إلى اقتناء القفف والحلويات بشتى أنواعها. كما تقوم السيدات بإعداد أطباق مختلفة مثل “قرصة الربيع” التي تتفنن أيادي السطايفيات في صنعها، وتأخذ أشكالا هندسية متنوعة، حسب رغبة السيدة وتحضر بمادة الدقيق وصفار البيض، إضافة إلى أهم وأشهر أنواع الأكلات التقليدية التي يتم إعدادها خصيصا لهذه المناسبة وهي “المبرجة”، وتصنع هذه الأكلة من مادة “الغرس”، وإلى جانب “قرصة الربيع” ونجد “الرفيس” الذي يصنع من الدقيق ومعجون التمر والزبدة. ويتم تجميع كل هذه الحلويات والأطباق المختلفة داخل القفة ويخرج بها الأطفال مع عائلاتهم إلى الحدائق والمساحات الخضراء. وأجمع سكان منطقة سطيف، أن الاحتفال بهذه المناسبة قديم جدا وضارب في جذور تاريخ المجتمع الجزائري، حيث عرف سكان الولاية أن هذه الاحتفالات منذ صغرهم وورثوها عن أجدادهم، كما أكد لنا البعض من الذين تحدثنا إليهم أن يوم الاحتفال بقدوم الربيع يختلف من قرية لأخرى، كما تختلف مظاهر الاحتفال من قرية إلى أخرى، خاصة وأن مساحة الولايتين شاسعة جدا. كما يحرص “السطايفية” على الخروج للاحتفال بهذا الفصل في الجبال والغابات، وتتفنن ربّات البيوت في صنع الحلوى المشهورة بتلك المناسبة المسماة بـ”البراج” بمساعدة الجدات والمصنوعة من الغرس والسميد، حيث يتم تحضيرها في ليلة الاحتفال كما تنتشر رائحتها المنبعثة من المنازل، في حين تحرص النساء على تحضير الزاد المتمثل في الخبز والماء والجبن والزيتون، أي وجبة باردة. وهناك من يشتري السمك أو اللحم ويقوم بشوائه في الغابة، إضافة إلى حمل قفة تسمى بـ”الطلاعة” مصنوعة من “الدوم” تحتوي على المبرجة والبرتقال والحلويات المتنوعة، كما تقوم الأمهات بتحضير البيض المغلى، وكل فرد في العائلة يتحصل على نصيبه، حيث يقوم الأب بتوزيعه على أولاده، إذ أن كل فرد يتحصل على قطعة واحدة من المبرجة، وكذلك حبة برتقال وبيضة، كما يتم تخصيص نصيب من الأكلات للبنت المتزوجة والأبناء الذين يؤدون واجبهم العسكري. كما يعتبر الربيع، من الفصول التي ترسم جوا من البهجة والفرحة على وجوه الأطفال الذين يستمتعون باللعب في المساحات الخضراء والتي تقطف منها الفتيات زهور النرجس لتزين بها رؤوسهن أو يستمتعن بصناعة عقود من الأزهار، في حين يستمتع آخرون بجمع “القريصة” وأكلها، حيث جرت العادة على تحضير الأمهات لكميات كبيرة من “القريصة” التي تسيل لعابهم بنكهتها اللذيذة، وهي عبارة عن كسرة يضاف إليها صفار البيض، وتضاف إلى قفة الأطفال.
وللبرايجية طقوسهم في استقبال الربيع

تقيم ولاية برج بوعريريج، تظاهرة “شاو الربيع”.. في ربيع كل سنة، خلال الثلاث جمعات الأولى من شهر مارس، وهي تظاهرة محلية تعد امتدادا لعادات وتقاليد عريقة متجذرة في العائلة البرايجية، إذ منذ زمن طويل، اعتاد جميع أفراد العائلة الخروج إلى المناطق الخضراء الشاسعة ومعهم أكلات وحلويات معدة خصيصا للاحتفال بفصل الربيع. وتخرج بعض العائلات لاستقبال “شاو الربيع” في الصباح الباكر لتحضير كل مستلزمات اليوم، لأن موعد الرجوع إلى المنزل يكون في المساء، بالتالي لا بد من تحضير الزاد المتمثل في الخبز والماء والجبن والزيتون، أي وجبة باردة، إلى جانب المبرجة والبرتقال والحلويات المتنوعة، وهناك من يقوم بشواء السمك أو اللحم في الغابة، وقبل كل هذا، فإن الأم تقوم بتحضير البيض المسلوق، ويتحصل كل فرد من العائلة على نصيبه ويقوم بتوزيعه الأب على أولاده، إذ أن كل فرد يتحصل على قطعة واحدة من المبرجة، وحبة برتقال وبيضة وحلويات.