قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” المائدة: 105، من يتأمَّلُ ما يقالُ في كثيرٍ من المجَالِس، أَو مَا يُكتبُ في رسائل التَّوَاصُلِ، يرى تَنَاقُضًا واضِحًا بين القولِ والفعل، فبينما البعضُ بارعٌ في التَّشكي من سوء الأحوال، خبيرٌ في تشخيص أخطاءِ الآخرين، قوي في المطالبة بالتَّغيير والإصلاح، تراهُ عاجزًا عن أن يبدأ بإصلاح نفسهِ، سلبي في تغييرِ واقعهِ للأفضل، ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ” الصف: 2-3، وفي الحديث الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: “يُبْصِرُ أحدُكم القذَى في عينِ أخيهِ ويَنْسَى الْجِذْعَ في عينِهِ”، ولَما قيل للربيع بن الهيثمِ رحمهُ الله: ما نراكَ تعيبُ أحدًا من الناس، قال: لستُ راضيًا عن نفسي حتى أتفرغَ لذمِ غيري. لقد علَّمنا القرآن الكريمُ أن نبدأ الإصلاح بأنفسنا، فقال تعالى: ” أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” آل عمران: 165.
ومن حِكمة اللهِ البالِغةِ أنه جعلَ كُلَّ إنسانٍ مسؤولًا عن تغيير ما بنفسه، وما لم يقُم به هو، فلن يقومَ به أحدٌ غيرهُ، تأمَّل: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ” الرعد: 11. وقال تعالى: ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ” الشمس: 9-10. فالخطوة الأولى للتغيير هي تغيير الأفكار والقناعات، وأن تؤمنَ بيقينٍ أنَّ الله قد وهبكَ من القُدرة ما يكفي وزيادة، لكي تُحقِقَ التَّغييرَ المنشود، ثم الخطوةُ الأهمُ هي المبادرة؛ كما جاء في الحديث القدسي الصحيح، قال اللهُ تعالى: “من تقربَ مني شِبرًا تقربتُ مِنهُ ذِراعًا، ومن تقربَ مني ذِراعًا تقربتُ منهُ باعًا، ومن أتاني يمشي أتيتهُ هرولة” ولاحظ دائمًا أنَّ العبدَ هو الذي يُبادرُ أولًا، ثم يأتيهِ التَّوفيقَ والعونَ من اللهِ تعالى. والخلاصةُ أنَّ قول اللهِ تعالى: ” عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ” قاعدةٌ مُضطردةٌ في كل إصلاحٍ وتغيير، ففي الحديث الصحيح: “يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ”، وفي رواية: “وأحسِن إلى من أساء إليك”. فابذل جهدك، وأحسِن الظَّنَّ بربك، واستعنْ بالله ولا تَعجِز، ” إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ” النحل: 128.