ضع بصمتك

ضع بصمتك

إنَّ مِن الحِرمانِ العظيمِ والخسرانِ المبين أَنْ يكونَ العبدُ في حياتِهِ وبعدَ مماتِهِ مجردَ رقمٍ في قائمةٍ طويلةٍ منَ البشرِ، ليسَ لهُم وزن في قيمِ الأخلاقِ ولا يُشكِلون َثِقلًا في مسيرةِ السلوك، فهيَ البصمةُ الباقية في عمرِكَ واللوحةِ الأخيرةِ من حياتِكَ، فاصنع لنفسِكَ أثرًا يكونُ لك بعدَ مماتك، فكيف سيكونُ رحيلُك؟ وما الذي خلفتَهُ وراءك؟ هل تركتَ ثمرًا يدومُ عطاءُهُ وذكرًا حسنًا أم شوكًا يستمِرُ وخزَهُ وذِكرًا سيئًا؟. وقبلَ الإجابةِ ينبغي أنْ نعيَ أنَ اللهَ خلقَ الخلقَ متباينين، وكما أنهم مختلفونَ في الألوانِ والأحجامِ، كذلك هم مختلفون في الصفاتِ والطِباعِ والسلوكِ والأخلاق، ولم يجعلْ اللهُ طبعًا جبليًّا أو خُلُقًا فطريًّا فحسب بحيثُ يعجزُ الإنسانُ عن تغييرِ طبعهِ أو تعديلِ سلوكِهِ أو لا يتمكنُ من تزكيةِ نفسهِ، ومنِ الغريبِ أن يغادرَ المرء دنياهُ دون أن يتركَ  لهُ بصمةً يُثنى عليها ويُقتدى بها، والأغربُ من ذلك أن يتركَ شرًا محضًا كالسمعةِ السيئةِ.

إن السيرةَ الحسنةَ والآثار الطيبة هي عمرٌ ثاني ويشكلُ رغبةً لدى الآخرين في محاكاتهِ وحبًا في الاتصاف بهِ والترحمِ عليهِ بعدَ مماتهِ، فهي كنزٌ لا يقتسِمُهُ أهله بل يستفيدُ منهُ القريبُ والبعيد، وتركتُهُ لا يقتَسِمُ أنصبتُها ورثتهُ فقط ، بل يجني  أسهمها من انتفعَ بها فأثارَهم لا زالت ترسمُ صورةً ذهنيةً للمجتمع وإن كانت أجسادهم واراها الثرى يذكرونها ويحتذون بها، فهوَ استمرار للعطاءِ وبقاءِ الخير وتدفعُ بالمجتمعِ إلى المحافظةِ على الباقياتِ الصالحات والتمسكِ بمكارم الصفات قال تعالى: “من عمِلَ صالِحًا من ذكرٍ او أُنثى وهو مؤمنٌ فلنحييَّنهُ حياةً طيبةً ولنجزيَنهُّم أجرَهُم بأحسنِ ما كانوا يعملون” النحل:97، فليس لحياةِ الإنسان قيمة دون أن يترك لهُ أثرًا بعد رحيلِهِ بخلافِ الناجحِ فإنهُ يدرك كيف يصنعُ لهُ مجدًا تليدًا وتاريخًا زاخرًا. فانهضْ أخي ودعْ عنك أغلال الخمول وتعرف على هويتِك وانظُر إلى ماضي أُمتِك تستلهِمُ منه جذوةً تُضيءُ لك الطريق، فحَّي على العملِ وضع بصمتُكَ في الحياةِ فما هيَ إلا أنفاس تُعدُّ وتحصى لا تدري متى يتوقفُ لها العدُ والإحصاء، حينئذ لن يبقى لك فيها إلا أثرك فإن لم يكنْ لك طوى التاريخُ صفحتَك وإن كان لك وقفوا على أعتابِها.